الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة، بل يعم الفرض والنفل جميعًا، وبه قال مطرف من أصحاب مالك، وقال الطحاوي: يختص بالفرض. وهذا مخالفٌ لإطلاق هذه الأحاديث الصحيحة. اهـ
قلتُ: وقال بقول الطحاوي ابنُ أبي زيد القيرواني من أصحاب مالك كما في «إعلام الساجد» للزركشي (ص 124).
وحجة من خصَّ الحديث بالفريضة: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد أخبر أنَّ صلاة النافلة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد؛ فدل على أن التفضيل للفريضة فقط، وهذا الذي ذكره لا يعارض التفضيل المذكور.
قال ابن العراقي رحمه الله كما في «طرح التثريب» (6/ 52): قال والدي رحمه الله في «شرح الترمذي» : تكون النوافل في المسجد مضاعفة بما ذكر من ألفٍ في المدينة، ومائة ألف في مكة، ويكون فعلها في البيت أفضل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ، بل ورد في بعض طرقه: أنَّ النافلة في البيت أفضل من فعلها في مسجده صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (1190): ويمكن أن يقال: لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه؛ فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة، أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما، وكذا في المسجدين، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقًا. اهـ
مسألة [3]: هل هذه الفضيلة تشمل التوسعة التي حدثت بعد موت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم
-؟
• ذهب العمراني رحمه الله في «البيان» إلى أنَّ الفضيلة التي في المسجد الحرام المراد بها الكعبة، وما في الحجر، ثم استدل بحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، إني نذرت أن أصلي في البيت. فقال:«صلِّي في الحِجْر؛ فإنه من البيت» ، قال: فلو كان المسجد وسائر بقاع الحرم يساوي الكعبة بذلك لم يكن لتخصيصها بالبيت معنى.
• وذهب النووي رحمه الله إلى أنَّ الفضيلة في المسجد النبوي مختصة بالمسجد الذي كان على عهد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مستدلًّا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (1190)، ومسلم (1394): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه؛ إلا المسجد الحرام» يعني قوله: «مسجدي هذا» .
قلتُ: أما قول العمراني فضعيف جدًّا، وحديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكره أخرجه أبو داود (2028)، والترمذي (876)، والنسائي (2911) بنحوه، وليس فيه دلالة على ما استدل به، إنما يستفاد منه: أنَّ من نذر أن يصلي في البيت أجزأه الصلاة في الحجر، وأكثر ما يستدل به هو فضيلة الصلاة في الكعبة، لا أنَّ الفضل المذكور مختص بها.
وكلام النووي رحمه الله غير صحيح؛ فإنَّ الإشارة بقوله: «مسجدي هذا» إنما هو للاحتراز من غيره من مساجد المدينة، والمسجد وإن زيد فيه؛ فهو ما زال يطلق عليه: مسجد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قلتُ: وعامة العلماء على أنَّ الفضيلة المذكورة في الحديث تشمل المسجدين مع الزيادة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه «الرد على الأخنائي» (ص 136 - 138): وقد جاءت الآثار بأنَّ حكم الزيادة في مسجده حكم المزيد، تُضَعَّف فيه الصلاة بألف صلاة، كما أنَّ المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد؛ فيجوز الطواف فيه، والطواف لا يكون إلا في المسجد، لا خارجًا منه؛ ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر، ثم عثمان، وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم، فلولا أن حكمه حكم مسجده؛ لكانت تلك صلاة في غير مسجده، والصحابة وسائر المسلمين بعدهم لا يحافظون على العدول عن مسجده إلى غير مسجده، ويأمرون بذلك.
ثم نقل عن أبي زيد عمر بن شبه بعض الآثار، منها ما أسنده عن عمر رضي الله عنه من وجه منقطع، أنه قال: لو مُدَّ مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة؛ لكان منه.
وأسند عن عمر من وجه آخر ضعيف أنه قال: لو زدنا فيه حتى بلغ الجبانة؛ كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءه الله بعامر.
ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا الذي جاءت به الآثار هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين، وعملهم؛ فإنهم قالوا: إنَّ صلاة الفرض خلف الإمام أفضل. وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة، وكذلك كان الأمر على عهد عمر، وعثمان رضي الله عنهما؛ فإنَّ كلًّا منهما زاد من قبلي المسجد، فكان مقامه في الصلوات