الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [118]: المبيت بمزدلفة
.
قوله: «ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر» .
• فيه أنَّ المبيت في تلك الليلة يكون بالمزدلفة، واختلف الفقهاء في حكم ذلك المبيت على أقوال:
القول الأول: أنَّ المبيت بها ركنٌ من أركان الحج، وهو مذهب علقمة، والنخعي، والشعبي، والأسود، والحسن، وبعض الشافعية، وعزاه ابن القيم إلى الأوزاعي، وحماد، وداود، وأبي عبيد، وابن جرير، وابن خزيمة.
واستدلوا بحديث عروة بن المضرس، وفيه:«من شهد معنا صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا، أو نهارًا؛ فقد تم حجه»
(1)
، فمفهومه أنَّ من لم يقف بالمزدلفة؛ فحجه غير تام.
ومال إلى هذا القول ابن القيم ورجَّحه ابن حزم، واختاره الشيخ الألباني رحمه الله.
القول الثاني: أنَّ المبيت واجبٌ، وليس بركنٍ، وهذا قول عطاء، والزهري، وقتادة، والثوري، وأحمد، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي وعزاه بعضهم إلى الجمهور.
واستدلوا بالحديث السابق، حديث عروة رضي الله عنه، وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما في «الصحيحين»
(2)
أنه كان يقدم ضَعَفَةَ أهله من المزدلفة إلى منى بالليل، ويقول:
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» برقم (742).
(2)
أخرجه البخاري برقم (1676)، ومسلم برقم (1295).
أرخص لأولئك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «خذوا عني مناسككم» .
القول الثالث: أنَّ المبيت سنة، وهو وجهٌ عند الشافعية، وعزاه الحافظ في «الفتح» لعطاء، والأوزاعي، وقالوا: إنما هو منزلٌ مَنْ شَاَء نَزَلَه، ومن شاء لم ينزل. وأخرج الطبري من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا:«إنما جمع منزل لدلج المسلمين» ، قال الحافظ: وسنده فيه ضعف.
قلتُ: هذه المسألة قوية الخلاف، والقولان الأولان أقرب، وأقربهما القول الثاني، وهو ترجيح الإمام ابن باز، والإمام ابن عثيمين رحمة الله عليهما؛ لما تقدم من الأدلة، وحديث عروة بن المضرس رضي الله عنه ظاهره كما قال أهل القول الأول، ولكن في حديث عبد الرحمن بن يعمر -وقد تقدم-:«الحج عرفة، فمن أدرك ليلة جمع قبل صلاة الفجر؛ فقد أدرك» ، ومعلومٌ أنَّ من لم يقف إلا قبل طلوع الفجر بيسير؛ فإنه لا يدرك المبيت بمزدلفة، وهذا يدل على أنه ليس ركنًا من أركان الحج، وأنه يعذر من تركه لعذرٍ كمن تأخر، وعلى هذا فيكون قوله في حديث عروة:«فقد تم حجه» يدل على أنَّ من لم يقف بمزدلفة متعمدًا بغير عذر؛ فحجه ناقص، ولا يبطل، وقد ألزمه القائلون بالوجوب بدمٍ؛ ليجبر النقص، ويشمله قول ابن عباس رضي الله عنهما، المتقدم:(من ترك نسكًا؛ فعليه دم)، والله أعلم.
(1)
تنبيه: ليس المقصود عند أهل العلم بإيجاب المبيت أنه يلزمه أن ينام،
(1)
وانظر: «المغني» (5/ 284)، «المجموع» (8/ 150)، «شرح مسلم» (8/ 188)، «زاد المعاد» (2/ 253)، «الفتح» (1676).