الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْحَرْبُ (الزَّبُونَ)؛ لِشِدَّةِ الدَّفْعِ فِيهَا، وَقِيلَ لِلْبَيْعِ الْمَخْصُوصِ: الْمُزَابَنَة؛ لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبه عَنْ حَقِّهِ، أَوْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إِذَا وَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْغَبْنِ أَرَادَ دَفْع الْبَيْع بِفَسْخِهِ، وَأَرَادَ الْآخَر دَفْعَهُ عَنْ هَذِهِ الْإِرَادَةِ بِإِمْضَاء الْبَيْع. اهـ
قلتُ: والمزابنة مفسرة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما في «الصحيحين»
(1)
أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن المزابنة، وهي أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلًا بتمرٍ كيلًا، وإن كان كرمًا بزبيب كيلًا، وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، وسيأتي مزيدٌ في الكلام على ذلك في باب الربا.
مسألة [3]: معنى المخابرة، وحكمها
.
قال ابن الأثير في «النهاية» (مادة خبر): قيل: هي الْمُزارَعة على نَصيب مُعَيَّن كالثلث، والرُّبع وغيرهما، والْخُبْرة: النَّصيبُ. وقيل: هو من الْخَبار: الأرضِ اللَّينة. وقيل: أصل المخابرة من خَيْبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّها في أيدي أهلها على النِّصف من محصولها، فقيل: خابَرَهم، أي: عاملهم في خَيبر. انتهى.
وسيأتي حكمها إن شاء الله في باب المساقاة والمزارعة.
مسألة [4]: قوله: وعن الثنيا إلا أن تعلم
.
المراد بالثنيا، أي: استثناء شيء من المبيع، وله صور:
أحدها: استثناء شيء معلوم من مقدارٍ معلوم.
(1)
سيأتي تخريجه في «البلوغ» برقم (830).
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (1536): فلو قال: بعتك هذه الأشجار إلا هذه الشجرة، أو: هذه الشجرة إلا ربعها، أو: الصبرة إلا ثلثها، أو: بعتك بألف إلا درهمًا، وما أشبه ذلك من الثُنيا المعلومة؛ صحَّ البيع باتفاق العلماء. اهـ
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (6/ 173): إذا استثنى نخلةً، أو شجرةً بعينها؛ جاز، ولا نعلم في ذلك خلافًا، وذلك لأنَّ المستثنى معلوم، ولا يؤدي إلى جهالة المستثنى منه. اهـ
وقد استدلوا بحديث الباب: «وعن الثنيا إلا أن تعلم» .
وتمثيل النووي رحمه الله بـ (الصبرة إلا ثلثها) ليس فيه اتفاق من العلماء، فقد خالف في ذلك بعض الحنابلة كما في «المغني» (6/ 173)، والصواب جوازها، وعليه أكثر الحنابلة.
ثانيها: أن يبيع مزرعته ويستثني خمس شجرات مثلا، أو يبيع قطيع الغنم ويستثني خمسًا بدون تعيين.
• ذهب أكثر أهل العلم كما ذكر ابن قدامة إلى أنَّ البيع لا يصح، واستدل عليه بحديث الباب:«وعن الثنيا إلا أن تعلم» ، وبحديث:«نهى عن بيع الغرر»
(1)
، وذلك لأنَّ الاستثناء مجهول؛ فصار المستثنى منه وهو المبيع مجهولًا.
• وذهب مالك رحمه الله إلى الجواز.
(1)
تقدم تخريجه في «البلوغ» رقم (782).
والصواب قول الجمهور؛ لما تقدم، والله أعلم.
(1)
ثالثها: أن يستثني شيئًا معلومًا من شيء معلوم بالمشاهدة لا بالقدر.
وذلك مثل أن يبيع ثمرة بستان، ويستثني منها صاعًا، أو آصع، أو باع صبرة طعام واستثنى منها مثل ذلك.
• فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنَّ ذلك لا يجوز، وهو قول سعيد بن المسيب، والحسن، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وذلك لأنَّ المبيع معلوم بالمشاهدة لا بالقدر، والاستثناء يغير حكم المشاهدة؛ لأنَّه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة؛ فلم يجز.
• وذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز هذا الاستثناء، وصحة البيع، وهو قول ابن سيرين، وسالم، ومالك وأحمد في رواية واستدلوا بحديث الباب:«وعن الثنيا إلا أن تعلم» .
وذكر النووي رحمه الله في «شرح مسلم» أنَّ مالكًا قيَّد ذلك بما إذا كان الاستثناء أقل من الثلث.
قال أبو عبد الله غفر الله له: الَّراجح هو الجواز؛ لأنه استثناء معلوم، وبالله التوفيق.
(2)
رابعها: أن يبيع حيوانًا مأكولاً ويستثني منه رأسه، أو جلده، أو أطرافه.
(1)
انظر: «المغني» (6/ 174)، «شرح مسلم» (1536).
(2)
وانظر: «المغني» (6/ 172)، «شرح مسلم» (1536).
• ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى صحة البيع؛ لحديث الباب: «وعن الثنيا إلا أن تعلم» ، فإذا كان الاستثناء معلومًا؛ فالمستثنى منه معلوم.
• وقال مالك: يصح الاستثناء في السفر دون الحضر؛ لأنَّ المسافر لا ينتفع بذلك.
• وقال الشافعية، والحنفية: لا يجوز؛ لأنه لا يجوز إفراده بالعقد؛ فلا يجوز استثناؤه، كالحمل.
والقول الأول هو الصواب، وقد رجَّحه الإمام ابن عثيمين، وأما قولهم:(لا يجوز إفراده بالبيع) فليس بمُسَلَّم، ثم هو استبقاء وليس ببيع.
(1)
خامسها: بيع الحيوان واستثناء الحمل.
• ذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى منع ذلك، وهو قول مالك، والشافعي، والثوري، وأحمد، وأبي حنيفة وغيرهم؛ لأنه مجهول لا يصح إفراده بالبيع؛ فلا يصح استثناؤه.
• وذهب أحمد في رواية إلى صحته، وهو قول النخعي، والحسن، وإسحاق، وأبي ثور. ورجَّح هذا القول الإمام ابن عثيمين؛ لأنَّ الاستثناء ليس ببيع، بل هو استبقاء، وهو الصواب، والله أعلم.
(2)
سادسها: بيع الحيوان واستثناء شحمه.
(1)
انظر: «المغني» (6/ 174 - 175)، «الشرح الممتع» (8/ 180).
(2)
انظر: «المغني» (6/ 175)، «الشرح الممتع» (8/ 183).