الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"مَهْيَمْ؟ "(1) قَال: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مَا سُقْتَ فِيهَا؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ (2) مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"(3)
*
فَوَائِدُ الحَدِيثِ:
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وفِي هَذَا الحَدِيثِ مِنَ الفَوَائِدِ:
1 -
مَنْقَبَةٌ لِسَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ في إيثَارهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ذَكَرَ.
2 -
ولعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ في تَنَزُّهِهِ عَنْ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ الحَيَاءُ والمُرُوءَةُ اجْتِنَابَهُ، ولَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ.
3 -
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُؤَاخَاةِ وَحُسْنُ الْإِيثَارِ مِنَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ حَتَّى بِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ.
4 -
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ترَكَ ذَلِكَ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ.
5 -
وفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكَسُّبِ.
6 -
وَأَنْ لا نَقْصَ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ.
7 -
وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ قَبُولِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الذُّلُّ مِنْ هِبَةٍ وغَيْرِهَا.
(1) قال الحافظ (10/ 292): مَهْيَم: هي كلِمَةُ استِفْهَام، ومعناها: ما شأنُك، أو ما هذا؟
(2)
النُّوَاةُ: اسم لخَمْسَةِ دَرَاهِمَ. انظر النهاية (5/ 116).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار- رقم الحديث (3780)(3781) - ومسلم في صحيحه - كتاب النكاح - باب الصداق - رقم الحديث (1427).
8 -
وَفِيهِ أَنَّ العَيْشَ مِنْ عَمَلِ المَرْءِ بِتِجَارَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْلَى لِنَزَاهَةِ الأَخْلَاقِ مِنَ العَيْشِ بِالْهِبَةِ ونَحْوِهَا.
9 -
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ.
10 -
وَفِيهِ سُؤَالُ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَأَتْبَاعَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا لَمْ يَعْهَدْ.
11 -
وَفِيهِ جَوَازُ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى المَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (1).
قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد الغَزَالِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وإعْجَابُ المَرْءِ بِسَمَاحَةِ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه لا يَعْدِلُهُ إِلَّا إعْجَابُهُ بِنُبْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، هَذَا الذِي زَاحَمَ اليَهُودَ في سُوقِهِمْ، وبَزَّهُمْ (2) في مَيْدَانِهِمْ، واسْتَطَاعَ رضي الله عنه بَعْدَ أيَّامٍ أَنْ يَكْسِبَ مَا يَعُفُّ بِهِ نَفْسَهُ، ويَحْصِنُ بِهِ فَرْجَهُ! ! إِنَّ عُلوّ الهِمَّةِ مِنْ خَلَائِقِ الإيمَانِ، وقبَّحَ اللَّهُ وُجُوهَ أقْوَامٍ انْتسَبُوا لِلإِسْلَامِ فَأَكَلُوهُ، وأكَلُوا بِهِ حَتَّى أضَاعُوا كَرَامَةَ الحَقِّ في هَذَا العَالَمِ (3).
ورَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ المَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ ولَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي شَيْئًا، وكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ
(1) انظر فتح الباري (10/ 294).
(2)
بَزَّهُمْ: غَلَبَهُم. انظر لسان العرب (1/ 398).
(3)
انظر فقه السيرة ص 180.
الأَرْضِ والعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ ويَكْفُوهُمُ العَمَلَ والمَؤُونَةَ (1).
وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في صَحِيحِ البُخَارِيِّ عن أَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنَا وبَيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: "لَا" فَقَالُوا: تَكْفُونَا المَؤُونَةَ (2) ونُشْرِكُكُمْ في الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا (3).
قَالَ الحَافِظُ: وفي الحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلأَنْصَارِ رضي الله عنهم (4).
وأخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارَ إلى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ البَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُمْ سَترَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً (5)، فَاصْبِرُوا
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الهبة وفضلها - باب فضل المنيحة - رقم الحديث (2630).
(2)
قال الحافظ في الفتح (5/ 273): المؤونة: أي العمل في البساتين من سقيها، والقيام عليها.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الحرث والمزارعة - باب إذا قال اكفني مؤونة النخل - رقم الحديث (2325) - وأخرجه في كتاب مناقب الأنصار - باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار - رقم الحديث (3782).
(4)
انظر فتح الباري (7/ 487).
(5)
الأَثرَةُ: بفتح الهمزة هي الإنفِرَادُ بالشَّيْءِ. انظر النهاية (1/ 26).
قال الحافظ في الفتح (5/ 325): أشارَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بذلِكَ إلى ما وَقَعَ من استِئْثَارِ المُلُوك من قريش عن الأنصَارِ بالأموَالِ والتَّفْضِيلِ في العَطَاءَ وغير ذلك، فهو مِنْ أعْلامِ نُبُوته صلى الله عليه وسلم.
حتَّى تَلقوْنِي عَلَى الحَوْضِ" (1).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الجِزْيَةَ، والمُرَادُ بإِقْطَاعِهَا لِلْأَنْصَارِ تَخْصِيصُهُمْ بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنْ جِزيَتِهِمْ وخَرَاجِهِمْ، لَا تَمْلِيكَ رَقَبَتِهَا؛ لِأَنَّ أرْضَ الصُّلْحِ لَا تُقْسَمُ وَلَا تُقْطَعُ (2).
وفي هَذَا الحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْأَنْصَارِ لِتَوَقُّفِهِمْ عَنِ الاسْتِئْثَارِ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا دُونَ المُهَاجِرِينَ (3).
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ الكَرِيمِ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ (4) فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (5) وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (6).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المساقاة - باب القطائع - رقم الحديث (2376) - وأخرجه في كتاب مناقب الأنصار - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "اصبروا حتَّى تلقوني على الحوض"- رقم الحديث (3792)(3793)(3794).
(2)
انظر فتح الباري (6/ 404).
(3)
انظر فتح الباري (5/ 325).
(4)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (8/ 69): ولا يجِدُون -أي الأنصار- في أنفُسِهم حَسَدًا للمهاجرين فيما فضَّلهم اللَّه به من المَنْزِلة والشَّرف، والتَّقدِيم في الذِّكْرِ والرُّتْبَةِ.
(5)
الخَصَاصَةُ: أي الجُوع والضَّعْفُ، وأصلها الفَقْرُ والحَاجَةُ إلى الشيء. انظر النهاية (2/ 36).
(6)
سورة الحشرة آية (9).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: فَحَصَلُوا في الفَضْلِ عَلَى ثَلاثِ مَرَاتِبَ:
1 -
إيثَارُهُمْ عَلَى أنْفُسِهِمْ.
2 -
مُوَاسَاتُهُمْ لِغَيْرِهِمْ.
3 -
والاسْتِئْثَارُ عَلَيْهِمْ (1).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَاتِ: قَالَ تَعَالَى مَادِحًا لِلأَنْصَارِ، ومُبيِّنًا فَضْلَهُمْ، وشَرَفَهُمْ، وكَرَمَهُمْ، وعَدَمَ حَسَدِهِمْ، وإيثَارَهُمْ مَعَ الحَاجَةِ (2).
وَلَمْ يَعْرِفْ تَارِيخُ البَشَرِيَّةِ كُلِّهِ حَادِثًا جَمَاعِيّا كحَادِثِ اسْتِقْبَالِ الأَنْصَارِ للمُهَاجِرِينَ. . . بِهَذَا الحُبِّ الكَرِيمِ، وبهَذَا البَذْلِ السَّخِيِّ، وبهَذِهِ المُشَارَكَةِ الرَّضِيَّةِ، وبِهَذَا التَّسَابُقِ إِلَى الإيوَاءِ واحْتِمَالِ الأعْبَاءِ. . . لَوْلَا أَنَّهَا وقَعَتْ بِالفِعْلِ، لَحَسِبَهَا النَّاسُ أحْلَامًا طَائِرَةً، ورُؤًى مُجْنَحَة، ومُثُلًا عُلْيَا، قَدْ صَاغَهَا خَيَالٌ مُحَلِّقٌ (3).
وأخرج الإِمَامُ أحمَدُ في مُسْنَدِهِ وأَبُو دَاودُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ المُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ما رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أحْسَنَ بَذْلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَلَا أحْسَنَ مُوَاسَاةً في قَلِيلٍ، قَدْ كَفَوْنَا
(1) انظر فتح الباري (5/ 325).
(2)
انظر تفسير ابن كثير (8/ 68).
(3)
انظر في ظلال القرآن (8/ 3526).