الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ:
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فنَظَرْتُ عَنْ يَمِيني وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا (1)، فَغَمَزَنِي (2) أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمُّ! هَلْ تَعْرِفُ أَبا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ (3) حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا (4)، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ.
قَالَ: فَغَمَزَنِيَ الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ (5) أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ بَيْنَ النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الذِي تَسْأَلَانِي عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلَاهُ (6)، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ.
(1) أي بين رجلين أقوى من الرجلين اللذين كنت بينهما وأشَدّ. انظر النهاية (3/ 89).
(2)
الغَمْزُ: الإشارة بالعَيْن أو الحاجب أو اليد. انظر النهاية (3/ 346).
(3)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 55): سَوَادِي سَوَاده: أي شخصي شخصه.
(4)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 55): أي لا أفارقه حتى يموت أحدُنَا وهو الأقرب أجلًا.
(5)
فلم أنْشَبْ: أي فلم ألبث. انظر النهاية (5/ 45).
(6)
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: فشَدَّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه.
قال الحافظ في الفتح (8/ 40): والصقر هو من سِبَاع الطير، وأحد الجوارح الأربعة =
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ ".
فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ ".
قَالَا: لَا.
فنَظَرَ صلى الله عليه وسلم فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ:"كِلَاكُمَا قتَلَهُ"(1).
وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وَكَانَ الفَتَيَانِ مُعَاذُ بنُ عَفْرَاءَ (2)، وَمُعَاذُ بنُ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ (3).
= وهي: الصقر، والبازي، والشاهين، والعقاب، وشبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشَبَّث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه.
(1)
قال الحافظ في الفتح (8/ 25): وإطلاقُ كونهما قَتَلَاه يخالفُ في الظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه وجده وبه رَمَق، وهو محمولٌ على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبقَ به إلا مثل حركة المذبوح، وفي تلك الحال لقيه ابن مسعود فضرب عنقه. واللَّه أعلم.
(2)
قال الحافظ في الفتح (8/ 25): وقع في صحيح البخاري - رقم الحديث (3962) - ومسند الإمام أحمد - رقم الحديث (12143) - عن أنس بن مالك قال: . . . فوجده ابن مسعود قد ضربه ابنا عفراء. وفي رواية ابن إسحاق (2/ 246): أن ابن عفراء هو معوذ، والذي في الصحيح أنه معاذ بن عفراء، وهما أخوان، فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شَدّ عليه مع معاذ بن عمرو بن الجَمُوح كما في الصحيح، وضربه بعد ذلك معوذ بن عفراء حتى أثبته، ثم حَزَّ رأسه ابن مسعود، فتجمع الأقوال كلها.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فرض الخمس - باب من لم يخمس الأسلاب - رقم الحديث (3141) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب (10) - رقم الحديث (3988) =
وَرَوَى ابنُ إسْحَاقَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُعَاذِ بنِ الجَمُوحَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ القَوْمَ، وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الحَرَجَةِ (1)، وَهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو الحَكَمِ لَا يُخْلَصُ (2) إِلَيْهِ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَصَمَدْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا أمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ، فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَتْ (3) قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ. . .، قَالَ: وَضَرَبَنِي عِكْرِمَةُ ابْنُهُ عَلَى عَاتِقِي، فَطَرَحَ يَدِي، فتَعَلَّقْتُ بِجِلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي، وَأَجْهَضَنِيَ (4) القِتَالُ عَنْهُ، فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامَّةَ يَوْمِي، وَإِنِّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي، فَلَمَّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي، ثُمَّ تَمَطَّيْتُ (5) بِهَا عَلَيْهَا حَتَّى طَرَحْتُهَا (6)، ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ (7)، مُعَوِّذُ بنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبَهُ حَتَّى أثبتَهُ، فترَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ (8)، وَقَاتَلَ مُعَوِّذٌ رضي الله عنه حَتَّى قُتِلَ (9).
= وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب استحقاق القاتل سلب القتيل - رقم الحديث (1752) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1673).
(1)
الحَرَجَة: مجتمعُ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ، شَبَّه شِدّة حراسة المشركين لأبي جهل به. انظر النهاية (1/ 348).
(2)
لا يُخْلَص إليه: أي لا يصل إليه. انظر النهاية (2/ 59).
(3)
أطَنَ قدمه: قَطَعها. انظر لسان العرب (8/ 208).
(4)
أجهَضَنِي: أي منعني. انظر النهاية (1/ 310).
(5)
يَتَمَطَّطُ: أي يتمدد. انظر النهاية (4/ 289).
(6)
قال الإمام الذهبي في السير (1/ 251): هذه واللَّه الشجاعة، لا كآخر مِنْ خَدْشٍ بسهم ينقطع قلبه، وتخور قواه.
(7)
عَقِير: مقطوع الساق. انظر لسان العرب (9/ 313).
(8)
وبه رَمَق: أي بقية الروح وآخر النفس. انظر النهاية (2/ 240).
(9)
أخرجه ابن إسحاق في السيرة (2/ 246).
* عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يُجْهِزُ عَلَى أَبِي جَهْلٍ:
وَلَمَّا انْتَهَتِ المَعْرَكَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أبو جَهْلٍ؟ "(1).
فتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي طَلَبِهِ، فَوَجَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفَهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى. . . وَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنقهِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرَّةً بِمَكَّةَ -يَعْنِي قَتضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ- فَآذَانِي وَلَكَزَنِي (2)، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟
قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي! أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنِ الدَّائِرَةُ (3) اليَوْمَ؟ قُلْتُ: للَّهِ وَلِرَسُولهِ. . . قَالَ: لقدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِيَّ الْغَنَمِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: ثُمَّ احْتَزَزْتُ (4) رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب قتل أبي جهل - رقم الحديث (3961) - (3962) - (3963) - وباب (12) - رقم الحديث (4020) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب قتل أبي جهل - رقم الحديث (1800).
(2)
اللكزُ: الدَّفع في الصدر بالكف. انظر النهاية (4/ 230).
(3)
لمن الدائرة: أي الدولة والظَّفَر والنُّصرة. انظر النهاية (2/ 93).
(4)
الحَزُّ: القطع. انظر النهاية (1/ 363).