الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ (1).
*
شَأْنُ سُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه
-:
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُرَاقَةَ بنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً (2) بِالسَّاحِلِ أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ (3)، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَعَلَّ، وَسَكَتَ.
قَالَ سُرَاقَةُ: ثُمَّ لَبِثْتُ فِي المَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ أَتْبَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3911) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (12234).
(2)
أسوِدَة: أي أشْخَاصًا. النهاية (2/ 377).
(3)
قلتُ: في إنكارِ سُرَاقة للسائل ما يدل على أنه أَرَادَ الجائِزَةَ لنفسه، وهي مائة نَاقَةٍ لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حَيَّيْنِ أو مَيْتَيْنِ، وقد بَيَّنتْ رواية ابن إسحاق في السيرة (2/ 103) ذلك، قال سُرَاقة: وكنت أرجو أن أرُدَّه على قريش، فآخُذَ المِئَة الناقة.
وَصَاحِبَهُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه. قَالَ سُرَاقَةُ: فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتُ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا، أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا؟ فَخَرَجَ الذِي أَكْرَهُ: أَنْ لَا أَضُرَّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ، وَرَكِبْتُ فَرَسِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ، وَسَمِعْتُ قِرَاءَةً رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّلَبُ (1) قَدْ لَحِقَنَا، فَقَال صلى الله عليه وسلم:"لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا".
حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا، وَبَكَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"لِمَ تَبْكِي؟ ".
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُرَاقَةَ، فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ"(2).
قَالَ سُرَاقَةُ: فَسَاخَتْ (3) يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغتا الرُّكْبَتَيْنِ (4)،
(1) الطَّلَبُ: أي أهلُ الطَّلَبِ. انظر النهاية (3/ 119).
(2)
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3911) قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ".
(3)
سَاخَتْ: أي غَاصَتْ. انظر النهاية (2/ 374).
(4)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3615) - ومسلم - رقم الحديث =
فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرتُهَا (1)، فنَهَضَتْ (2) فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ (3) سَاطِعٌ فِي السَّمَاءَ مِثْلُ الدُّخَانِ.
قَالَ سُرَاقَةُ: فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلَامِ (4)، فَخَرَجَ الذِي أَكْرَهُ، فنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ (5)، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مِنَ الحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ
= (2009) - قال أبو بكر رضي الله عنه: فارتَطَمَتْ -أي غَاصَتْ- به فرسه إلى بطنِها، أُرى في جَلَد من الأرض.
جَلَد من الأرض: أي أرض صلبة. انظر النهاية (1/ 275).
(1)
زَجَرَهَا: أي حَثَّهَا. انظر النهاية (2/ 268).
(2)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3911) - قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: فصَرَعه الفرس، ثم قامت تُحَمْحِمُ -الحَمْحَمَةُ: صوتُ الفَرَس دُونَ الصَّهِيل-. انظر النهاية (1/ 419).
(3)
عُثان: أي دُخان. انظر النهاية (3/ 166).
(4)
الأزْلَام: هي القِدَاح التي كانت في الجاهلية عليها مكتوبٌ الأمر والنهي، افعل ولا تفعل، كان الرجل منهم يَضَعُهَا في وِعَاءٍ له، فإذا أراد سَفَرًا أو زَوَاجًا، أو أمرًا مهمًا أدخل يده فأخرج منها زِلمًا، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خَرج النهي كَفَّ عنه، ولم يفعله. انظر النهاية (2/ 281).
(5)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (3615) - ومسلم - رقم الحديث (2009)، قال سُراقة: إني أراكما قد دَعَوْتُمَا عليَّ، فادعوا لي، فاللَّه لكما أن أرد عنكما الطلَبَ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فنَجَا.