الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ
حَدَثَتْ غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السَّبْتِ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلْهِجْرَةِ (1). وَكَانَ بَنُو قَيْنُقَاعَ مِنْ أَشْجَعِ يَهُودٍ، وَكَانُوا صَاغَةً (2)، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ -كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ أَمْرِ الصَّحِيفَةِ التِي كَتَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِكُلِّ مَنْ سَكَنَ المَدِينَةَ- فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ أَظْهَرُوا البَغْيَ وَالحَسَدَ، وَنَبَذُوا العَهْدَ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
أَخْرَجَ ابنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِالشَّوَاهِدِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدِمَ المَدِينَةَ، جَمَعَ اليَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَقَالَ:"يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا"، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا (3) لَا يَعْرِفُونَ القِتَالَ، إِنَّكَ لَوْ
(1) انظر فتح الباري (8/ 71) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 263) - سيرة ابن هشام (3/ 54) - البداية والنهاية (3/ 376).
(2)
الصَّوَّاغ: هو صَائِغُ الحُلِيِّ. انظر النهاية (3/ 56).
(3)
الأَغْمَارُ: جمعُ غُمْرٍ بالضم: وهو الجَاهِلُ الغِرُّ الذي لم يُجَرِّب الأمور. انظر النهاية (3/ 345).
قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (1).
كَانَ مَا أَجَابَ بِهِ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الإِعْلَانُ السَّافِرُ بِالحَرْبِ، وَزَادَ يَهُودُ بَنِي قَيْنُقَاعَ جُرْأَةً، فَقَلَّمَا لَبِثُوا أَنْ أَثَارُوا فِي المَدِينَةِ قَلَقًا وَاضْطِرَابًا، فَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ العَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ (2) لَهَا، فَبَاعَتْهُ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إِلَى صَائِغٍ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ، فَعَمَدَ الصَّائِغُ إِلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا، فَعَقَدَهُ إِلَى ظَهْرِهَا -وَهِيَ غَافِلَةٌ- فَلَمَّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ، فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ الصَّائِغُ يَهُودِيًّا، فَشَدَّتِ اليَهُودُ عَلَى المُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ المُسْلِمِ المُسْلِمِينَ عَلَى اليَهُودِ، فَغَضِبَ المُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ (3).
(1) سورة آل عمران آية (12 - 13) - والحديث أخرجه ابن إسحاق في السيرة (3/ 53) - وأبو داود في سننه - كتاب الخراج والإمارة والفيء - باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة - رقم الحديث (3001) - وأورده الحافظ في الفتح (8/ 71) - وحسن إسناده.
(2)
الجَلَبُ: ما يُجْلَبُ للبَيْعِ من كل شيء. انظر النهاية (1/ 273).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 54) - البداية والنهاية (4/ 376).