الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسْلامُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ رضي الله عنه
-
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ رضي الله عنه عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءَ اليَهُودِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَدِينَةِ كَبَّرَ، وَكَانَ في رَأْسِ نَخْلَةٍ لِأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ (1) لَهُمْ، فَسَمِعَتْ تَكْبِيرَتُهُ عَمَّتُهُ خَالِدَةُ بِنْتُ الحَارِثِ، فَقَالَتْ لَهُ: خَيَبكَ اللَّهُ! وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بنِ عِمْرَانَ عليه السلام، قَادِمًا مَا زِدْتَ، قَالَ: أيْ عَمَّةُ! هُوَ وَاللَّهِ أخُو مُوسَى بنُ عِمْرَانَ عليه السلام، وَعَلَى دِينهِ، بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ، فَقَالَتْ: أي ابْنَ أَخِي! أهُوَ النَّبِيُّ الذِي كُنَّا نُخْبَرُ أنَّهُ يبعَثُ مَعَ نَفَسِ (2) السَّاعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَتْ: فَذَاكَ إِذًا (3).
(1) يَخْتَرِفُ: يَجْتَنِي من ثِمَارِ النَّخْلِ. انظر النهاية (2/ 24).
(2)
أخرج الترمذي في جامعه - كتاب الفتن - باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أنا والسَّاعة كهَاتيْنِ" - رقم الحديث (2213) - وإسناده ضعيف - عن المُسْتَوْرد بن شَدَّاد الفِهْرِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بُعِثْتُ في نَفَسِ الساعة، فسَبَقْتُهَا كما سَبَقَتْ هذه هذه". لِأُصْبُعَيْهِ السبابة والوسطى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نَفَسِ السَّاعة" أي بُعثْتُ وَقَدْ حان قيَامها، وقَرُب، إلا أن اللَّه تَعَالَى أخَرَّها قليلًا، فبَعَثَنِي في ذلك النفس، فأطلق النفس على القُرْب.
وقيل معناه: أنه جعل للساعَةِ نَفَسًا كنَفَسِ الإنسان، أَرَادَ إني بُعِثْتُ في وقتٍ قريبٍ منها أُحِسُّ فيه بنَفَسِهَا، كما يُحس بنفس الإنسان إذا قَرُب منه، يعني بُعثتُ في وقت بانَتْ أشراطُهَا فيه وظهَرَت علامَاتُهَا. انظر النهاية (5/ 81).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 130) - البداية والنهاية (3/ 224).
أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَه في السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ انْجَفَلَ (1) النَّاسُ عَلَيْهِ (2)، فكنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ (3)، فَكَانَ أوَّلُ شَيءً سَمِعْتُهُ يَقُولُ:"يَا أيُّهَا النَّاسُ أفْشُوا السَّلَامَ، وأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ"(4).
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: فَأَتَيْتُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي سَائِلُكَ عَنْ
(1) انْجَفَلَ: أي ذَهَبوا مُسْرِعِينَ نحوه. انظر النهاية (1/ 270).
(2)
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 224): مقتضى هذا السِّياق يَقْتَضِي أنه سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ورآه أوَّل قدومه حين أناخَ بِقُبَاء في بني عمرو بن عوف، وجاء في رواية أنس رضي الله عنه أنه اجتمع به حيثُ اناخَ عند دار أبي أيوب عند ارتحَالِهِ من قباء إلى دار بني النَّجَّارِ، فلعله رآه أول ما رآه بقُبَاء، واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النجار، واللَّه أعلم.
(3)
قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة ص 199: إن أضواءَ الباطِنِ تَنْضُحُ على الوجه فتقرأ في أسارِيرِهِ آيات الطهر، وقد ذهب عبدُ اللَّه بن سلام أنَّه يَسْتَطْلعُ أخبَارَ هذا الزَّعيم المُهَاجر صلى الله عليه وسلم، فنَظَر إليه يُحَاوِلُ استكشافَ حَقِيقَتِهِ، فكان أوَّل ما اطمأن إليه بعد التَثبُّت من أحواله أن هذا ليس بِكاذب، والمَلامِحُ العَقْلِيَّة والخَلْقِيَّة لشخص ما لا تُعرف بِنَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ، ولكن الطابع المادي الذي يُضْفِي على الروح الكبير كثيرًا ما يكون عُنْوانًا صَادِقًا على ما وَرَاءَهُ.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (23784) - والترمذي في جامعه - كتاب صفة القيامة والرقائق والورع - باب في إفشاء السلام - رقم الحديث (2653) - وابن ماجه - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب ما جاء في قيام الليل - رقم الحديث (1334).
ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أوَّلُ أشْرَاطِ (1) السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُله أَهْلُ الجَنَّةِ، وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ، وَمِنْ أيِّ شَيْءٍ يَنْزعُ إلى أخْوَالِهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَبَّرَني بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ"، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ (2)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، وَأَمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكله أَهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ (3)، وَأَمَّا الشِّبَهُ في الوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلِ إِذَا غَشِيَ المَرْأة فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشِّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشِّبَهُ لَهَا".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: فَقُلْتُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ (4)، وإنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي. يَبْهَتُونِي عِنْدَكَ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ
(1) الأشْرَاطُ: العلامَات، واحدها شَرَط بالتحريك. انظر النهاية (2/ 412).
(2)
سببُ كراهية اليهود لجبريل عليه السلام، أنه كان ينزل عليهم بالعذابِ، فقد أخرج الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2483) بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت يهود إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القَاسم، إنا نسألُكَ عن خَمْسَةِ أشياء، فان أنْبَأْتَنَا بهن، عرَفنا أنك نَبِيّ. . . قالوا: إنما بَقِيَتْ واحدة وهي التي نُبَايِعُكَ إن أخبرتنا بها، فإنه ليس من نَبِيٍّ إلا له ملك يأتيه بالخَبَرِ، فأخبرنا من صَاحِبُكَ؟ قال صلى الله عليه وسلم:"جِبْرِيل عليه السلام".
قالوا: جِبريل ذاك الذي يَنْزِلُ بالحرب والقِتَال والعَذَابِ عَدُوُّنَا. . . الحديث.
(3)
قال الحافظ في الفتح (7/ 692): زيادَةُ كَبِدِ الحُوتِ: هي القِطْعَةُ المُنْفَرِدَةُ المُعَلقة في الكبِدِ، وهي في المَطْعَمِ في غَايَةِ اللذة.
(4)
البُهْتُ: الكَذِب والافْتِرَاء. انظر النهاية (1/ 162).