الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَسْرَةً}، أَيْ: نَدَامَةً، حَيْثُ لَمْ تُجْدِ (1) شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ وَظُهُورَ كَلِمَتِهِمْ عَلَى كَلِمَةِ الحَقِّ، وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ، ونَاصِرُ دِينِهِ، وَمُعْلِنُ كَلِمَتِهِ، وَمُظْهِرُ دِينِهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ، فَهَذَا الخِزْيُ لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ، فَمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ، رَأَى بِعَيْنِهِ وَسَمعَ بِأُذُنِهِ مَا يَسُوؤُهُ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَوْ مَاتَ، فَإِلَى الْخِزْيِ الْأَبَدِيِّ، وَالْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ (2).
*
طَرِيقُ المُشْرِكينَ:
تَحَرَّكَ المُشْرِكُونَ بِاتِّجَاهِ بَدْرٍ، وَمَرُّوا في طَرِيقِهِمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ (3)، ثُمَّ سَلَكُوا وَادِي عُسْفَانَ (4)، ثُمَّ قُدَيْدًا (5)، ثُمَّ الجُحْفَةَ فنَزَلُوا بِهَا (6).
*
نَجَاةُ العِيرِ وَرِسَالَةُ أَبِي سُفيَانَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ:
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَسِيرُ بِالعِيرِ عَلَى الطَّرِيقِ الرَّئِيسِيِّ، وَكَانَ حَذِرًا مُتيَقِّظًا، وَاسْتَبْطَأَ ضَمْضَمًا وَالنَّفِيرَ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ مَاءِ بَدْرٍ، لَقِيَ مَجْدِيَّ بنَ عَمْرٍو الجُهَنِيَّ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ أَحْسَسْتَ أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ
(1) لم تُجْدِ: أي لم تُغْنِ.
(2)
انظر تفسير ابن كثير (4/ 53).
(3)
مَرُّ الظَّهْرَانِ: هو واد بين مكة وعُسْفَان، واسم القرية المضافة إليه: مَرّ، بفتح الميم وتشديد الرَّاء. انظر النهاية (3/ 152).
(4)
عُسْفَان: بضم العين، هي قرية جامِعَةٌ بين مكة والمدينة. انظر النهاية (3/ 214).
(5)
قُدَيْد: مُصغرًا، هو موضع بين مكة والمدينة. انظر النهاية (4/ 20).
(6)
انظر دلائل النبوة للبيهقي (105/ 3).
أَحَدًا أُنْكِرُهُ، إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبيْنِ قَدْ أَنَاخَا (1) إِلَى هَذَا التَّلِّ، ثُمَّ اسْتَقَيَا في شَنٍّ (2) لَهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا، وَأَشَارَ إِلَى مَنَاخِ بَسْبَسَةَ بنِ عَمْرٍو الجُهَنِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَدِيِّ بنِ أَبِي الزُّغْبَاءَ رضي الله عنه، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَعَثَهُمَا إِلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ أخْبَارَ العِيرِ -كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ- فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَنَاخِهِمَا، فَأَخَذَ مِنْ أبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَإِذَا فِيهِ النَّوَى (3)، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ عَلَائِفُ (4) يَثْرِبَ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وُجُوهَ العِيرِ، وَاتَّجَهَ بِهَا نَحْوَ سَاحِلِ البَحْرِ، وَترَكَ الطَّرِيقَ الرَّئيسِيَّ الذِي يَمُرُّ بِبَدْرٍ عَلَى اليَسَارِ، ثُمَّ أسْرَعَ فنَجَا، وبِهَذَا نَجَا بِالقَافِلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ (5).
فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ نَجَا بِالعِيرِ، أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: قَيْسَ بنَ امْرِئِ القَيْسِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: إِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ ورِجَالَكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ، فَارْجِعُوا.
فَلَمَّا قَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ ذَلِكَ، وَهُمْ مَا زَالُوا بِالجُحْفَةِ، هَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ طَاغِيَةُ قُرَيْشٍ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: وَاللَّهِ لَا نَرْجعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ بِهَا
(1) أناخَ الإبل: أبْرَكها فبركت. انظر لسان العرب (14/ 321).
(2)
الشَّنُّ: القِرْبَة. انظر النهاية (2/ 453).
(3)
النَّوى: جمع نواة التمر. انظر النهاية (5/ 116).
(4)
العَلائِفُ: جمع عَلَف: وهو ما تأكله الماشية. انظر النهاية (3/ 260).
(5)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 230) - الطبَّقَات الكُبْرى (1/ 255).
ثَلَاثًا، فنَنْحَرَ الجَزُورَ (1)، وَنُطْعِمَ الطَّعَامَ، ونَسْقِيَ الخَمْرَ، وتَعْزِفَ عَلَيْنَا القِيَانُ، حَتَّى تَسْمَعَ بِنَا العَرَبُ وبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا (2).
وَلَكِنْ عَلَى رَغْمَ أَبِي جَهْلٍ قَامَ الأَخْنَسُ بنُ شُرَيْقٍ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ فَقَالَ: يَا بَنِي زُهْرَةَ! قَدْ نَجَّى اللَّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَخَلَّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بنَ نَوْفَلٍ، وَإِنَّمَا نَفَرتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ، فَاجْعَلُوا بِي جُبْنَهَا (3) وارْجِعُوا، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا في غَيْرِ ضَيْعَةٍ، لَا مَا يَقُولُ هَذَا، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، فَرَجَعُوا مِنَ الجُحْفَةِ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيٌّ وَاحِدٌ، وَكَانُوا حَوَالِي مِائَةِ رَجُلٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ (4).
وَأَرَادَتْ بَنُو هَاشِمٍ الرُّجُوعَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تُفَارِقُنَا هَذِهِ العِصَابَةُ (5) حَتَّى نَرْجِعَ.
وَمَضَى المُشْرِكُونَ نَحْوَ بَدْرٍ حَتَّى نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهَا وَرَاءَ كَثِيبٍ (6) يَقَعُ بِالعُدْوَةِ (7) القُصْوَى، عَلَى حُدُودِ وَادِي بَدْرٍ (8).
(1) الجَزُور: البعير ذَكَرًا كان أو أنثى. انظر النهاية (1/ 258).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 230) - دلائل النبوة للبيهقي (3/ 108).
(3)
الجُبْنُ والجَبَان: هو ضِدُّ الشجاعة والشجاع. انظر النهاية (1/ 230).
كأنه يقول: إذا عُيِّرْتم بالإحْجَام عن القتال خَوفًا فاجعَلُوا مَردّ ذلك إليّ وإلى رَأْيِي.
(4)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى (1/ 255).
(5)
العِصَابة: هم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. انظر النهاية (3/ 220).
(6)
الكَثِيب: هو الرَّمل المستطيل المُحْدَوْدِب. انظر النهاية (4/ 132).
(7)
العُدْوة: بالضم والكسر جانب الوادي. انظر النهاية (3/ 176).
(8)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 232) - الطبَّقَات الكُبْرى (1/ 255).