الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ إسْحَاقَ في السِّيرَةِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إِنِ اكتَنَفَكُمُ (1) القَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ (2) عَنْكُمْ بِالنَّبْلِ"(3).
*
نُزُولُ جَيْشِ قُرَيْشٍ إِلَى وَادِي بَدْرٍ وَوُقُوعُ الِانْشِقَاقِ فِيهِ:
أَمَّا قُرَيْشٌ فَقَضَتْ لَيْلَةَ بَدْرٍ في مُعَسْكَرِهَا بِالعُدْوَةِ القُصْوَى، فَلَمَّا رَاَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تنْحَدِرُ مِنَ الكَثِيبِ إِلَى وَادِي بَدْرٍ قَالَ:"اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا، تُحَادُّكَ (4) وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ فنصْرَكَ الذِي وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ أَحِنْهُمُ (5) الغَدَاةَ"(6).
فَلَمَّا اطْمَأنَّتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْ عُمَيْرَ بنَ وَهْبٍ الجُمَحِيَّ طَلِيعَةً (7) لِيَحْزِرَ (8) أصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَأْتِيَهُمْ بِعَدَدِهِمْ وَعُدَّتِهِمْ، فَاسْتَجَالَ (9) عُمَيْرٌ بِفَرَسِهِ حَوْلَ العَسْكَرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِم، فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ
(1) إن اكتَنَفَكُم: أي أحاطوا بكم. انظر النهاية (4/ 178).
(2)
يُقال: نَضَحُوهُم بالنبل: إذا رَمَوْهم. انظر النهاية (5/ 60).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 237) - البداية والنهاية (3/ 290).
(4)
المُحَادَاة: المُعَادَاة والمُخَالَفة والمنازعة. انظر النهاية (1/ 340).
(5)
أحِنَه: أي أهلكه. انظر لسان العرب (3/ 423).
(6)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 233).
(7)
طَلِيعة الجيش: هو الذي يَطْلُع من الجيش يُبعَثُ ليطَّلع طلع العدو. انظر لسان العرب (8/ 185).
(8)
حَزَرَهُ: قَدَّره. انظر لسان العرب (3/ 150).
(9)
التِّجْوَال: التِّطْوَاف. انظر لسان العرب (2/ 424).
أمْهِلُونِي حَتَّى أنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ، فَضَرَبَ (1) في الوَادِي حَتَّى أبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، البَلَايَا (2) تَحْمِلُ المَنَايَا، نَوَاضِحُ (3) يَثْرِبَ تَحْمِلُ السُّمَّ النَاقِعَ (4)، أَمَا ترَوْنَهُمْ خُرْسًا لَا يَتَكَلَّمُونَ، يَتَلَمَّظُونَ (5) تَلَمُّظَ الأَفَاعِي، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ العَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرَوْا رَأْيَكُمْ (6).
فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى في النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أبَا الوَليدِ! إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، المُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ تُذْكَرُ بِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، أَوْ قَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا اليَوْمِ مَا بَقِيتَ؟ .
قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو
(1) ضَرَب في الوادي: أي أسْرَع الذهاب. انظر النهاية (3/ 72).
(2)
البَلَايَا: جمعُ بَلِيَّة: وهي الناقة أو الدابة التي كانت تُعقل -أي تُقيّد- في الجاهلية، تُشدّ عند قبر صاحبها لا تُعلَفُ ولا تُسقى حتى تموت، كانوا يقولون أن صاحبها يُحْشر عليها. انظر لسان العرب (1/ 499).
(3)
النَّوَاضِحُ: هي الإبل التي يُستقى عليها. انظر النهاية (5/ 59).
(4)
النَّاقِعُ: القاتل. انظر النهاية (5/ 95).
(5)
التَّلَمُّظُ: التذوُّق. انظر لسان العرب (12/ 327).
(6)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 234).
بنِ الحَضْرَمِيِّ (1)، أَوْ قَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ إِلَّا دَمَ ابنِ الحَضْرَمِيِّ، وَهُوَ حَلِيفُكَ فتَحَمَّلْ دِيَتَهُ وَتَرْجعَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، أَنْتَ عَلَيَّ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ حَلِيفِي، فَعَلَيَّ عَقْلُهُ (2)، وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ (3).
ثُمَّ قَالَ عُتْبَةُ لِحَكِيمِ بنِ حِزَامٍ: فَأْتِ ابنَ الحَنْظَلِيَّةِ -يَعْنِي أبَا جَهْلٍ- فَإِنِّي لَا أخْشَى أَنْ يَشْجُرَ (4) أمْرَ النَّاسِ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَامَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا قَوْمِ، إِنِّي أَرَى قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمِ اعْصُبُوهَا اليَوْمَ بِرَأْسِي (5)، وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ (6).
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ مَا رَأَى الكُفَّارَ: "إِنْ يَكْنُ في القَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحْمَرِ، وَكانَ عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ"، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: . . . فَلَمَّا دَنَا القَوْمُ مِنَّا وصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ أحْمَرَ يَسِيرُ في
(1) عمرُو بن الحَضْرَمي: هو أول قَتِيل يقتله المُسْلِمون، قُتِلَ في سرية عبد اللَّه بن جحش رضي الله عنه في سرية نخلة.
(2)
العَقْلُ: الدِّيَة. انظر النهاية (3/ 252).
(3)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 234) - الطبقات الكبرى لابن سعد (2/ 256).
(4)
اشتَجَر القومُ: إذا تنازَعُوا واختلفوا. انظر النهاية (2/ 399).
(5)
اعصِبُوها اليومَ بِرَأسي: يُريد السُّبَّة التي تلحَقُهم بتَرْكِ الحَرْب، والجُنُوحِ إلى السلم، أي اقرُنُوا هذه الحال بي وانسُبُوها إليّ وإن كانت ذميمة. انظر النهاية (3/ 221).
(6)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (948) وإسناده صحيح.
القَوْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا عَلِيُّ، نَادِ لِي حَمْزَةَ -وَكَانَ أقْرَبَهُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ-: مَنْ صَاحِبُ الجَمَلِ الأَحْمَرِ، وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ"؟ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَكُنْ في القَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الجَمَلِ الأَحْمَرِ"، فَجَاءَ حَمْزَةُ فَقَالَ: هُوَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، وَهُوَ يَنْهَى عَنِ القِتَالِ (1).
فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو جَهْلٍ عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ عَنِ القِتَالِ قَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟ وَاللَّهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا لَأَعْضَضْتُهُ (2)، قَدْ مَلَأَتْ رِئَتُكَ جَوْفَكَ رُعْبًا (3).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: انتفَخَ وَاللَّهِ سَحْرُهُ (4) حِينَ رَأَى مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، كَلَّا وَاللَّهِ لَا نَرْجعُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ، وَلَكِنَّهُ قَدْ رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا وأَصْحَابَهُ أَكْلَةُ جَزُورٍ (5)، وَفيهِم ابْنُهُ، فَقَدْ تَخَوَّفكُمْ عَلَيْهِ (6).
فَقَالَ عُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ لِأَبِي جَهْلٍ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفَّرَ اسْتِهِ (7)؟ سَتَعْلَمُ
(1) أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (948).
(2)
العَضِيض: اللزوم، يُقال: عَضَّ عليه يَعَضُّ عَضِيضًا: إذا لَزِمه. انظر النهاية (3/ 229).
(3)
أخرج ذلك الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (948) وإسناده صحيح.
(4)
انتَفَخَ سَحْرُه: أي رِئَتُكَ يقال ذلك للجَبَان. انظر النهاية (2/ 312).
(5)
أرادَ لعنه اللَّه أن المعركة مع المسلمين سهلَةٌ كما تُأكل الجزور وهي الناقة.
(6)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 235).
(7)
اسْتُهُ: أي مقعَدَتُه. انظر لسان العرب (6/ 170) -وهذه الكلمة يا مصفَّر استِهِ: تقال للمُتَنَعِّم المُتْرف الذي لم تُحنكه التجارب والشدائد. انظر النهاية (3/ 34).