الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا البِنَاءُ المُتَوَاضِعُ، هُوَ الذِي رَبَّى مَلَائِكَةَ البَشَرِ، ومُؤَدِّبِي الجَبَابِرَةِ، ومُلُوكَ الدَّارِ الآخِرَةِ.
إِنَّ مَكَانَةَ المَسْجِدِ في المُجْتَمَعِ الإِسْلَامِيِّ، تَجْعَلُهُ مَصْدَرَ التَّوْجِيهِ الرُّوحِيِّ والمَادِّيِّ، فَهُوَ سَاحَةٌ لِلْعِبَادَةِ، ومَدْرَسَةٌ لِلْعِلْمِ، ونَدْوَةٌ لِلْأَدَبِ، وَقَدِ ارْتَبَطَتْ بِفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ وصُفُوفِهَا أخْلَاقٌ وتَقَالِيدُ هِيَ لُبَابُ الإِسْلامِ (1).
*
بِنَاءُ المِنْبَرِ:
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ مُسْتَنِدًا إلى جِذْعِ نَخْلَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ -وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ- قَالَ لَهُ أصْحَاُبهُ: لَوِ اتَّخَذْتَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ إِذَا خَطَبْتَ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ، فَأَمَرَ ببنَاءَ المِنْبَرِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ، وقَامَ عَلَيْهِ حَنَّ (2) ذَلِكَ الجِذْعُ إِلَيْهِ، وَسُمعَ لَهُ صِيَاحٌ كَصِيَاحِ الصَّبِيِّ، أَوْ صَوْتٌ كَصَوْتِ العِشَارِ (3)، حَتَّى أتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ عَلَيْهِ فَسَكَنَ.
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحهِ عَنْ جَابرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ (4)، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ
(1) انظر فقه السيرة ص 178 للشيخ محمَّد الغزالي رحمه الله.
(2)
حَنَّ: أي نَزَعَ واشتَاقَ، وأصلُ الحنينِ تَرْجِيعُ النَّاقَةِ صَوْتها إثْرَ وَلَدها. انظر النهاية (1/ 435).
(3)
العِشَارُ: جمع عُشَراء بضم العين وفتح الشين، هي الناقة التي أتى على حَمْلِها عَشَرَةُ أشهر. انظر النهاية (3/ 217).
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 306): هو شكٌّ من الراوي، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد "فقامَ إلى نَخْلَةٍ" ولم يشك.
مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ (1) -: يَا رَسُولَ اللَّهِ ألَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا (2)؟
قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ" فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبرًا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ دُفِعَ إلى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا (3).
وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى في صحِيحِ البُخَارِيِّ قَالَ جَابِرٌ: كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إلى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ فَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَسَكَنَتْ (4).
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 306): شَكٌّ من الراوي والمعتمدُ الأول -أي امرأة-.
(2)
قال الحافظ في الفتح (2/ 114): فإن قِيلَ ظاهرُ سِيَاق حديث جابر هذا مُخَالف لسِياق حديث سَهْلٍ الذي أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (917): أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أرسلَ إلى امرأةٍ من الْأَنصار فقال لها: مُرِي غُلامك النَّجَّار.
لأنَّ في حديث جابر أن المرأة هي التي ابتدأت بالعَرْض، وفي حديث سهل أنَّه هو صلى الله عليه وسلم الذي أرسل إليها يَطْلُبُ ذلك.
أجابَ ابن بَطال: باحتمالِ أن تكون المرأةُ ابتدَأت بالسؤالِ مُتَبَرِّعَةً بذلك، فلما وصَل لها القَبُولُ أمكن أن يبطِيَّ الغلام بِعَمله، فأرسل يَسْتَنْجِزُهَا إتمَامَهُ لعلمِهِ بِطِيبِ نفسها بما بَذَلَتْهُ، ويمكنُ إرساله إليها ليعرفها بِصِفَةِ ما يَصْنَعُهُ الغلامُ من الأعْوَادِ، وأن يكون ذلك مِنْبرًا.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإِسلام - رقم الحديث (3584). وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (14206).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإِسلام - رقم الحديث (3585).