الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: فَلَمَّا أصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قُمْ فَأَلْقِ عَلَى بِلَالٍ (1) مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ، فَإِنَّهُ أنْدَى (2) صَوْتًا مِنْكَ".
فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِي عَلَيْهِ ويُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، فَسَمِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه وهُوَ في بَيْتِهِ، فَقَامَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَلِلَّهِ الحَمْدُ"(3).
*
كَمْ مُؤَذِّنًا لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
-؟
وكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةُ مُؤَذِّنِينَ: بِلَالُ بنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ أُمِّ
= لإِعلامِ الغَائِبِين فيُكَرَّرُ؛ ليكون أوْصَلَ إليهم، بِخِلافِ الإقامَةِ فإنها للحَاضِرِينَ، ومِنْ ثَمَّ استُحِبَّ أن يكون الأذان في مكان عَالٍ بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرْفَعَ منه في الإقامة، وأن يكون مُرَتَّلًا والإقامة مُسْرعةً، وكَرَّرَ "قدْ قامَتِ الصلاة"؛ لأنها المَقْصُودَة من الإقامة بالذاتِ.
(1)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (4/ 67): أما السَّبب في تَخْصِيصِ بلال رضي الله عنه بالنِّداء والإعلام؛ لأنه أنْدَى صوتًا، فيؤُخَذُ منه استِحْبَابُ كونِ المؤذن رَفِيعَ الصَّوت وحَسَنه، وهذا متفقٌ عليه، قال أصحابنا: فلو وَجَدْنَا مُؤَذِّنًا حسنَ الصوت يطلب على أذَانِهِ رِزْقًا، وآخرُ يتبرَّعُ بالأذانِ لكِنَه غير حسَنِ الصَّوْتِ، فأيهما يؤخَذُ؟
فيه وجهانِ: أصحُّهما يُرْزَقُ حسَنُ الصَّوْتِ.
(2)
أنْدَى: أي أرْفَع وأعْلَى، وقيل: أحسَنُ وأعْذَب. انظر النهاية (5/ 32).
(3)
أخرج حديث عبد اللَّه بن زيد في رؤياه للأذان: ابن حبان في صحيحه - كتاب الصلاة - باب الأذان - رقم الحديث (1679) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (16477)(16478) - وأبو داود في سننه - كتاب الصلاة - باب كيف الأذان - رقم الحديث (499) وإسناده حسن.
مَكْتُومٍ، وأَبُو مَحْذُورَةَ (1)، وسَعْدُ القَرَظُ (2) رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
أخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنانِ: بِلَالٌ وابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى (3).
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَوْلُهُ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ، يَعْنِي بِالمَدِينَةِ، وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وسَعْدُ القَرَظُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبَاءَ (4).
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْتُ في نَفَرٍ، فكنَّا بِبَعْضِ طَرِيقِ حُنَيْنٍ، فَقَفَلَ (5) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ، فَلَقِيَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعْنَا صَوْتَ المُؤَذِّنِ،
(1) قال الإِمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/ 117): أبو مَحْذُورَةَ الجُمَحِيّ، مؤذِّن المسجد الحرام، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم. . . وكان رضي الله عنه من أنْدَى الناس صَوتًا وأطْيَبِه.
(2)
هو سعدُ بن عَائِذٍ المؤذن، مَوْلى عمَّار بن ياسر رضي الله عنه المعروف بِسَعْدِ القَرَظِ، وإنما قيل له ذلك؛ لأنه كان يَتَّجِرُ فيه، والقَرَظُ: هو وَرَقُ السَّلمِ -وهو نوع من الأشجار- ومَسَحَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأسَهُ، وبَرّك عليه، وجعَلَه مؤذن مسجدِ كباء، وخَلِيفَةَ بلال إذا غابَ، ثم استخلفه بلال على الأذان بمسجد رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في خِلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لمَّا سار إن الشام، فلم يزَل الأذان في عَقِبِهِ. انظر أسد الغابة (2/ 299).
(3)
أخرجه الإِمام مسلم في صحيحه - كتاب الصلاة - باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد - رقم الحديث (380).
(4)
انظر صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 71).
(5)
قَفَلَ: رَجَعَ. انظر النهاية (4/ 81).