الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
أشَدُّ يَهُودٍ عَدَاوَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
-:
فَمِنْ هَؤُلَاءَ اليَهُودِ الذِينَ نَصَبُوا العَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ، وَكَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ كَيْدًا: حُيَيُّ بنُ أخْطَب وأَخُوهُ أَبُو يَاسِرٍ، وَسَلامُ بنُ مِشْكَمٍ، وَكِنَانَةُ بنُ الرَّبِيعِ، وكَعْبُ بنُ الأَشْرَفِ، وكَعْبُ بنُ أَسَدٍ، وعَمْرُو بنُ جَحَّاشٍ، ورِفَاعَةُ بنُ يَزِيدَ بنِ التَّابُوتِ (1).
ومِنْهُمْ: ابنُ صَلُوبَا الفَطْيُونِيُّ الذِي قَالَ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا مُحَمَّدُ! مَا جِئتنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفهُ، ومَا أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ آيَةٍ بينة فنَتْبَعَكَ لَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى في ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ:{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (2) وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (3).
ومِنْهُمْ رَافِعُ بنُ حُرَيْمِلَةَ، وَوَهْبُ بنُ زَيْدٍ، قَالَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّدُ!
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 69): هؤلاء لم يَثْبت إسلام أحَدٍ منهم.
(2)
قال الإِمام ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 48): أي أنزلنا إليك يا محمَّد عَلامَاتٍ واضِحَاتٍ دَالاتٍ على نبوتك، وتلك الآيات هي ما حَوَاه كتاب اللَّه من خَفَايَا عُلُوم اليهودِ، ومكنُون سَرَائِر أخبارِهِم، وأخبارِ أوائلهم من بني إسرائيل، والنَّبَأُ عما تضَمَّنَتْهُ كتُبُهم التي لم يكن يَعْلَمُهَا إلا أحبَارُهُم وعلماؤُهُم، وما حَرَّفه أوائِلُهم وأواخِرُهم وبدَّلوه من أحكامهم، التي كانت في التوراة، فأطْلَعها اللَّه في كتابه الذي أنزله على نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك من أمره الآياتِ البيناتِ لِمَن أنصَفَ نفسه، ولم يدعه إلى إهلاكها الحَسَد والبغي، إذ كان في فِطْرة كل ذِي فِطرة صحيحةٍ تصديقُ من أتى بمثلِ ما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم الآيات البيناتِ التي وَصَفت، من غيرِ تَعَلُّمٍ تَعَلم من بَشَرٍ، ولا أخذَ شيئًا منه عن آدمي.
(3)
سورة البقرة آية (99) - والخبر في سيرة ابن هشام (2/ 161).
ائْتِنَا بِكِتَابٍ تُنْزِله عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءَ نَقْرَؤُهُ، وَفَجِّرْ لَنَا أنْهَارًا نتبَعُكَ وَنُصَدِّقُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ في ذَلِكَ مِنْ قَوْلهِمَا:{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (1).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الَايَةِ: والمُرَادُ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَمَّ مَنْ سَأَلَ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيءٍ، عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالِاقْتِرَاحِ، كَمَا سَألَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ مُوسَى عليه السلام، تَعَنُّتًا وتَكْذِيبًا وَعِنَادًا (2).
ومِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بنُ صُورِيَا الأَعْوَرُ (3)، وَقَدْ كَانَ مِنْ أحْبَارِ اليَهُودِ ورُؤَسَائِهِمْ، ذَكَرَ ابنُ إسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَلَّمَ رُؤَسَاءَ يَهُودٍ، فِيهِمْ: عَبْدُ اللَّهُ بنُ صُورِيَا، وَكَعْبُ بنُ أَسَدٍ (4)، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودٍ! اتَّقُوا اللَّه وَأَسْلِمُوا، فَوَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ.
قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ، فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وأصَرُّوا عَلَى الكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ
(1) سورة البقرة آية (108) - والخبر في سيرة ابن هشام (2/ 161).
(2)
انظر تفسير ابن كثير (1/ 381).
(3)
قال الحافظ في الفتح (7/ 696): ولم أرَ لعبد اللَّه بن صوريا إسلامًا من طريقٍ صحيح.
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 695) بعد أن سرد عددًا من رؤساء اليهود، ومن بينهم: كعب بن أسد، قال: فهؤلاء لم يثبت إسلام أحدٍ منهم.
السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (1).
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَعَا يَهُودَ فَسَألهُمْ عَنْ شَيْءٍ فكتَمُوهُ إيَّاهُ، وأخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَألهُمْ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَهْدِيدٌ لِأَهْلِ الكِتَابِ، الذِينَ أُخِذَ عَلَيْهِمُ العَهْدُ عَلَى ألْسِنَةِ الأَنْبِيَاءِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْ يُنَوِّهُوا (3) بِذِكْرِهِ في النَّاسِ لِيَكُوُنوا عَلَى أُهْبَةٍ (4) مِنْ أمْرِهِ، فَإِذَا أرْسَلَهُ اللَّهُ تَابَعُوهُ، فكتَمُوا ذَلِكَ وتَعَوَّضُوا عَمَّا وَعَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِالدُّونِ الطَّفِيفِ، والحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ السَّخِيفِ، فَبِئْسَتِ الصَّفْقَةُ صَفْقَتُهُمْ، وبِئْسَتِ البَيْعَةُ بَيْعَتُهُمْ.
(1) سورة النساء آية (47) - والخبر في سيرة ابن هشام (2/ 173).
(2)
سورة آل عمران آية (187) - والحديث أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا - رقم الحديث (4568) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - رقم الحديث (2778).
(3)
نَوَّه فلان بِفلان: إذا رفَعَه وطَيَّر به وقَوَّاه. انظر لسان العرب (14/ 342).
(4)
تَاَصَّبَ: استَعَدَّ. انظر لسان العرب (1/ 252).
وفِي هَذَا تَحْذِيرٌ لِلْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَهُمْ فيصِيبَهُمْ مَا أصَابَهُمْ، ويُسْلَكَ بِهِمْ مَسْلَكَهُمْ، فَعَلَى العُلَمَاءِ أَنْ يبذُلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ العِلْمِ النَّافِعِ، الدَّالِّ عَلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا يَكْتُمُوا مِنْهُ شَيْئًا، فَقَدْ وَرَدَ في الحَدِيثِ المَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فكتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"(1).
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ في شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه لِفِنْحَاصٍ (2) -وكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وأحْبَارِهِمْ-: اتَّقِ اللَّه وَأَسْلِمْ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، جَاءَكُمْ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ في التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلَ. فَقَالَ فِنْحَاصٌ: يَا أبَا بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا بِنَا إلى اللَّهِ عز وجل مِنْ فَقْرٍ، وإنَّهُ إلَيْنَا لَيَفْتَقِرُ، وَمَا نتضَرَّعُ إِلَيْهِ كَمَا يتضَرَّعُ إلَيْنَا، وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ، ولَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا لمَا اسْتَقْرَضَنَا أمْوَالَنَا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ (3)، يَنْهَاكُمْ عَنِ الرِّبَا ويُعْطِينَاهُ! ولَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا أعْطَانَا الرِّبَا.
(1) هذا الحديث أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (7571) - وابن ماجه في سننه في المقدمة - باب من سُئِلَ عن علمٍ فكتمه - رقم الحديث (266) - وإسناده صحيح - وانظر كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 180).
(2)
قال الحافظ في الفتح (7/ 695) بعد أن سرد عددًا من رؤساء اليهود، ومن بينهم: فِنْحاص، قال: فهؤلاء لم يثبت إسلام أحدٍ منهم.
(3)
صَاحِبُكُمْ: أي الرَّسول صلى الله عليه وسلم.