الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَأْسِيسُ مَسْجِدِ قُبَاءَ
كَانَ أَوَّلَ عَمَلٍ قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ قُبَاءَ أَنْ أَسَّسَ مَسْجِدَ قُباءَ، وَهُوَ المَسْجِدُ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الإِسْلَامِ (1).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِأَصْحَابِهِ جَمَاعَةً ظَاهِرًا، وَأَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ لِجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ عَامَّةً (2).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: فَكَانَ هَذَا المَسْجِدُ -أَيْ مَسْجِدُ قباء- أَوَّلَ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الإِسْلَامِ بِالمَدِينَةِ، بَلْ أَوَّلَ مَسْجِدٍ جُعِلَ لِعُمُومِ النَّاسِ فِي هَذِهِ المِلَّةِ، وَاحْترزْنَا بِهَذَا عَنِ المَسْجِدِ الذِي بَنَاهُ الصِّدِّيقُ بِمَكَّةَ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ (3) يَتَعَبَّدُ فِيهِ وَيُصَلِّي؛ لِأَنَّ ذَاكَ كَانَ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ عَامَّة، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (4).
(1) أخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3906).
(2)
انظر فتح الباري (7/ 656).
(3)
أخرج بناء أبي بكر الصديق رضي الله عنه لهذا المسجد: البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3905) -وقد ذكرنا تفصيل ذلك فيما تقدم-.
(4)
انظر كلام الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 223).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (1).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: . . . ثُمَّ حَثَّ اللَّه تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ الذِي أُسِّسَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ بِنَائِهِ عَلَى التَّقْوَى، وَهِيَ طَاعَةُ اللَّهِ، وَطَاعَةُ رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم، وَجَمْعًا لِكَلِمَةِ المُؤْمِنِينَ، وَمَعْقِلًا، وَمَوْئِلًا لِلإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَلهَذَا قَالَ تَعَالَى:{لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} ، وَالسِّيَاق إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْرِضِ مَسْجِدِ قباءٍ (2).
وَقَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَر: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي المُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} فَالجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِهِ مَسْجِدُ قباءٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الآيَةِ (3).
لَكِنْ رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنِ المَسْجِدِ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ:"هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا" -لِمَسْجِدِ المَدِينَةِ (4).
(1) سورة التوبة آية (108).
(2)
انظر تفسير ابن كثير (4/ 212).
(3)
انظر فتح الباري (7/ 656).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى - رقم الحديث (1398).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِه بِسَنَدٍ صحِيحٍ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْب رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "المَسْجِدُ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى: مَسْجِدِي هَذَا"(1).
وَأَخْرَج الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي المَسْجِدِ الذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ الآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قباء، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ هَذَا المَسْجِدُ"، لِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ:"فِي ذَاكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ"، يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ (2).
قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا السُّؤَالُ صَدَرَ مِمَّنْ ظَهَرَتْ لَهُ المُسَاوَاةُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًا مِنْهُمَا بَنَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلِذَلِكَ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ المُرَادَ مَسْجِدُهُ، وَكَأَنَّ المَزِيَّةَ التِي اقْتَضَتْ تَعْيِينَهُ دُونَ مَسْجِدِ قباءٍ لِكَوْنِ مَسْجِدِ قباء لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ بِأَمْرٍ جَزْمٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ، أَوْ كَانَ رَأْيًا رَآهُ بِخِلَافِ مَسْجِدِهِ، أَوْ كَانَ حَصَلَ لَهُ أَوْ لِأَصْحَابِهِ فِيهِ مِنَ الأَحْوَالِ القَلبِيَّةِ مَا لَمْ يَحْصلْ لِغَيْرِهِ (3).
وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ المَزِيَّةُ لِمَا اتَّفَقَ مِنْ طُولِ إِقَامَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِمَسْجِدِ المَدِينَةِ، بِخِلَافِ مَسْجِدِ قُباءٍ فَمَا أَقَامَ بِهِ إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِلَ،
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (21107).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (11178).
(3)
انظر فتح الباري (7/ 656).