الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رضي الله عنه أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا (1) عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"وَاللَّهِ لَا تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا"(2).
قَالَ الحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَالحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعْفِ العَبَّاسَ مِنَ الفِدَاءَ؛ لِأنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةً له؛ لِكَوْنِهِ عَمَّهُ لَا لِكَوْنِهِ قَرِيبَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ فَقَطْ، وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ القَرِيبَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِمَا يُؤْذِي قَرِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي البَاطِنِ يَكْرَهُ مَا يُؤْذِيهِ، فَفِي تَرْكِ قَبُولِ مَا يَتَبَرَّعُ لَهُ الأَنْصَارُ بِهِ مِنَ الفِدَاءَ تَأْدِيبٌ لِمَنْ يَقَعُ له مِثْلُ ذَلِكَ (3).
*
نُزُولُ آيَةٍ:
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (4).
(1) قولهم: لابن اختنا عباس: قال الحافظ في الفتح (8/ 57)(5/ 474): أي ابن عبد المطلب، وأم العباس ليست من الأنصار، بل جَدَّته أم عبد المطلب هي الأنصاربة، فأطلقوا على جدَّة العباس أُخْتًا لكونها منهم، وعلى العباس ابنها؛ لكونها جدته، وهي سَلْمى بنت عمرو بن زيد بن النجار من بني الخزرج، وهذا من قُوَّة الذكاء، وحُسْنِ الأدب في الخطاب، وإنما امْتَنَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من إجابتهم لِئَلا يكون في الدِّين نوع مُحَاباة.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب (12) - رقم الحديث (4018).
(3)
انظر فتح الباري (8/ 58).
(4)
سورة الأنفال آية (70).
قَالَ العَبَّاسُ رضي الله عنه لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: أَعْطَانِي اللَّهُ مَكَانَ العِشْرِينَ أُوقِيَّةً فِي الإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدًا، كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ عز وجل (1).
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، قَالَ العَبَّاسُ رضي الله عنه لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوَدِدْتُ أَنَّكَ كُنْتَ أَخَذْتَ مِنِّي أضْعَافَهَا، فَآتَانِيَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ (2).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "انْثُرُوهُ (3) فِي المَسْجِدِ"، وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَهُ العَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"خُذْ"، فَحَثَا (4) فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ (5)، فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ، قَالَ:"لَا"، قَالَ:
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر فداء العباس يوم بدر - رقم الحديث (5460) - وإسناده حسن.
(2)
أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 477).
(3)
انْثروهُ: أي صُبُّوه. انظر لسان العرب (14/ 37).
(4)
حَثَا: رمى. انظر النهاية (1/ 327).
(5)
يُقِلُّه بضم الياء وتشديد اللام: أي يرفعه ويحمله. انظر لسان العرب (11/ 289).