الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأُمَّ سُلَيْمٍ (1)، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ (2) أَرَى خَدَمَ (3) سُوقِهِمَا تَنْقُلَانِ (4) الْقِرَبِ عَلَى مُتُونِهِمَا (5) ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ في أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ، فتَمْلَآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ، فَتُفْرِغَانِهِ في أَفْوَاهِ القَوْمِ (6).
*
جِهَادُ أُمِّ سَلِيطٍ رضي الله عنها:
وَمِنْهُنَّ أُمُّ سَلِيطٍ، وَهِيَ وَالِدَةُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنهما، كَانَتْ زَوْجًا لِأَبِي سَلِيطٍ، فَمَاتَ عَنْهَا قَبْلَ الهِجْرَةِ، فتَزَوَّجَهَا مَالِكُ بنُ سِنَانٍ الخُدْرِيُّ فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا سَعِيدٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ أَبِي
(1) أم سُلَيمٍ: هي أمُّ أنس بن مالك رضي الله عنهما.
(2)
التشْمِير: هو الجِدُّ في العمل والاجتهاد. انظر النهاية (2/ 447).
(3)
الخَدَم بفتح الخاء والدال: جمع خَدَمَة، وهو الخَلْخَال. انظر النهاية (2/ 15).
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 158): ونظر أنس رضي الله عنه لِخَدَم سوقهما لم يكن فيها نَهْيٌ؛ لأن هذا كان يوم أُحُدٍ قبل أمْرِ النساء بالحِجَاب، وتحرِيمِ النظر إليهنَّ؛ ولأنه لم يذكر هنا أنَّه تعمَّد النظر إلى نفس السَّاق، فهو محمُول على أنَّه حَصَلَتْ تلك النظرة فجأةً بغير قَصْدٍ ولم يستَدِمْهَا.
(4)
في رواية أخرى في صحيح البخاري قال أنس لَهُ: تَنْقُزَانِ لِلْقِرَب.
والنَّقْزُ: الوثْبُ والقفْزُ، كنايةٌ عن سُرعة السير، أي يحملان القرب، ويقفِزَانِ بها وَثْبًا. انظر النهاية (5/ 92).
(5)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 158): مُتُونِهِما: أي ظُهورهما.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال - رقم الحديث (2880) - وأخرجه في كتاب المغازي - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} - رقم الحديث (4064) - وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزوة النساء مع الرجال - رقم الحديث (1811).
مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَسَمَ مُرُوطًا (1) بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ المَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التِي عِنْدَكَ -يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ- فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ، وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ (2) لَنَا القِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ (3).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ في صحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَنِسْوَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا، فَيَسْقِينَ المَاءَ وَيُدَاوِينَ الجَرْحَى (4).
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ جَوَازُ خُرُوجِ النِّسَاءَ في الغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِنَّ في السَّقْي وَالمُدَاوَاةِ وَنَحْوِهِمَا، وَهَذ المُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَسُّ بَشَرَةٍ إِلَّا في مَوْضِعِ الحَاجَةِ (5).
قَالَ الدُّكْتُور مُحَمَّد أَبُو شَهْبَة: فَالإِسْلَامُ يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ المُشَارَكَةَ في
(1) المِرْط: هو كساءٌ، ويكون من صُوفٍ. انظر النهاية (4/ 273).
(2)
تَزْفُرُ: بفتح أوله وسكون الزاي وكسر الفاء: أي تحمل. انظر النهاية (2/ 276).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو - رقم الحديث (2881).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب غزوة النساء مع الرجال - رقم الحديث (1810).
(5)
انظر صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 158).
الجِهَادِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ التَّدَيُّنِ وَالتَّصَوُّنِ وَالتَّعَفُّفِ، وَعَدَمِ الِابْتِذَالِ، وَالوُقُوعِ في المَآثِمِ، وَإِلَّا كَانَ ضَرَرُهَا أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهَا، وَإِفْسَادُهَا أَكْثَرَ مِنْ إِصْلَاحِهَا (1).
* انْحِيَازُ (2) الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ نَحْوَ الجَبَلِ:
وَبَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ الصحَابَةُ رضي الله عنهم الذِينَ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَدِّ هَجَمَاتِ المُشْرِكِينَ، اسْتَطَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشُقَّ الطَّرِيقَ إِلَى بَقِيَّةِ المُسْلِمِينَ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَهُ -بَعْدَ انْتِشَارِ شَائِعَةِ قَتْلِهِ- كَعْبُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ تَتَلَأْلَآنِ مِنْ تَحْتِ المِغْفَرِ، فنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ! أَبْشِرُوا! هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنِ اصْمِتْ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَعْرِفَ المُشْرِكُونَ مَكَانَهُ، إِلَّا أَنَّ هَذَا الصَّوْتَ بَلَغَ إِلَى آذَانِ المُسْلِمِينَ، فَلَاذَ إِلَيْهِ المُسْلِمُونَ، حَتَّى تَجَمَّعَ حَوْلَهُ حَوَالِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَرِحُوا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، وَهَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنَ القَوْمِ بَعْدَ ظُهُورِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا نَحْوَ جَبَلِ أُحُدٍ، وَعِنْدَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشُقُّ الطَّرِيقَ إِلَى شِعْبِ الجَبَلِ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، والزُّبَيْرُ، وسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالحَارِثُ بنُ الصِّمَّةِ، وَكَعْبُ بنُ مَالِكٍ، وَأَبُو
(1) انظر السِّيرة النَّبوِيَّة في ضوء القرآن والسنة للدكتور محمد أبو شهبة (2/ 205).
(2)
انحَازَ القومُ: ترَكُوا أماكِنَهُمْ إلى آخر. انظر لسان العرب (3/ 389).