الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ (1) وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (2).
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فتَطْلُبُوا مِنَ اللَّهِ أَنْ يَفْتَحَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُهْلِكَ أَضَلَّ الفَرِيقَيْنِ وَأَقْطَعَهُمَا لِلرَّحِمِ. . . فَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ، فَجَعَلَ الدَّائِرَةَ عَلَيْكُمْ تَصْدِيقًا لِاسْتِفْتَاحِكُمْ! لَقَدْ دَارَتِ الدَّائِرَةُ عَلَى أَضَلِّ الفَرِيقَيْنِ وَأَقْطَعَهُمَا لِلرَّحِمِ! وَلقدْ عَلِمْتُمْ -إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْلَمُوا- مَنْ هُمْ أَضَلُّ الفَرِيقَيْنِ وَأَقْطَعُهُمَا لِلرَّحِمِ!
وَعَلَى ضَوْءِ هَذِهِ الحَقِيقَةِ، وَفي ظِلِّ هَذَا الإِيحَاءَ، يُرَغِّبُهُمْ فِي الانْتِهَاءِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ وَالحَرْبِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالمُشَاقَّةِ للَّهِ وَرَسُولهِ صلى الله عليه وسلم (3).
*
مُنَاشَدَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ سبحانه وتعالى:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منْذُ رُجُوعِهِ بَعْدَ تَعْدِيلِ الصُّفُوفِ إِلَى العَرِيشِ يُنَاشِدُ رَبَّهُ سبحانه وتعالى مَا وَعَدَهُ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ (4)، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ أنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ،
(1) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِير في تفسيره (4/ 33): أي ولو جمعتم من الجُمُوع ما عسى أن تَجْمَعوا، فإن من كان اللَّه معه فلا غالب له، فإن اللَّه مع المؤمنين، وهم الحِزْب النبوي، والجَنَابُ المصطفوي.
(2)
سورة الأنفال آية (19).
(3)
في ظلال القرآن (3/ 1491).
(4)
الظَّفَر: الفَوْزُ بالمطلوب. انظر لسان العرب (8/ 255).
اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصَابَةُ (1) مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ لَا تُعْبَدُ فِي الأَرْضِ" (2)، وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ (3)، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (4) رضي الله عنه، فَجَعَلَ رضي الله عنه يَلْتَزِمُهُ (5) مِنْ وَرَائِهِ، وَيَسَوِّي عَلَيْهِ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: حَسْبُكَ (6) يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ (7).
(1) العِصَابَةُ: هم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين. انظر النهاية (3/ 220).
(2)
قال الحافظ في الفتح (8/ 15 - 16): وإنما قال ذلك رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه علم أنه خاتم النبيين، فلو هَلَك هو ومن معه حينئذٍ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان، ولاستَمَرَّ المشركون يعبدون غير اللَّه، فالمعنى لا يعبد في الأرض بهذه الشريعة.
(3)
أخرج النسائي في السنن الكبرى - كتاب السير - باب الصلاة عند اللقاء - رقم الحديث (8574) - والطبراني بإسناد حسن، حسنه الحافظ في الفتح (8/ 15) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما سمعنا مُنَاشدًا يَنْشُدُ ضَالَّة أشد مُنَاشدة من محمد صلى الله عليه وسلم لربه يوم بدر.
(4)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في البداية والنهاية (3/ 288): وكان رضي الله عنه رقيقَ القلب، شَدِيد الإشفَاقِ على رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(5)
الالْتِزَام: الاعتناق. انظر لسان العرب (12/ 273).
(6)
هذه رواية البخاري - وفي رواية الإمام مسلم في صحيحه قال أبو بكر رضي الله عنه: يا نبي اللَّه! كذاكَ مناشدتك ربك. قال الإمام النووي: هكذا وفع لجماهير رواة مسلم كذاك بالذال، ولبعضهم كفاك بالفاء مناشدتك ربك.
(7)
أخرج مُناشدة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه يوم بدر: البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب قوله تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} - رقم الحديث (3953) - وأخرجه في كتاب الجهاد والسير - باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (2915) - وأخرجه في كتاب التفسير - باب قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} رقم الحديث (4875) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر - رقم الحديث =
فَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إِنَابَةِ نَبِيٍّ، وَإِلْحَاحِ عَبْدٍ، وَدُعَاءِ مُضْطَرٍّ، وَشَفِعَ لِهَذِهِ العِصَابَةِ فِي كَلِمَاتٍ صَرِيحَةٍ وَاضِحَةٍ، نيَرةٍ خَالِدَةٍ، هِيَ خَيْرُ تَعْرِيفٍ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وَبَيَان لِمَهَمَّتِهَا وَغَرَضِهَا الذِي خُلِقَتْ لَهُ. . . فَكَأَنَّمَا كَانَ بَقَاءُ المُسْلِمِينَ مَشْرُوطًا بِقِيَامِ حَيَاةِ العُبُودِيَّةِ بِهِمْ، وَقِيَامِهِمْ بِهَا، فَلَوِ انْقَطَعَتِ الصِّلَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العِبَادَةِ، وَرَوَاجِهَا وَازْدِهَارِهَا فِي العَالَمِ، انْقَطَعَتِ الصِّلَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الحَيَاةِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَى اللَّهِ لَهُمْ حَقٌّ وَذِمَّةٌ، وَأَصْبَحُوا كَسَائِرِ الأُمَمِ خَاضِعِينَ لِنَوَامِيسِ الحَيَاةِ، وَسُنَنِ الكَوْنِ، بَلْ كَانُوا أَشَدَّ جَرِيمَةً، وَأَقَلَّ قِيمَةً مِنَ الأُمَمِ الأُخْرَى، إِذْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِبَقَائِهَا وَحَيَاتِهَا مِثْلَ مَا اشْتَرَطَ لَهُمْ، وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} (1).
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا فَعَلَ؟ ، فَجِئْتُ فَأَجِدُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ:"يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ"، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى القِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى القِتَالِ، ثُمَّ
= (1763) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (208) - (221) - (3042) - والنسائي في السنن الكبرى - كتاب السير - باب الصلاة عند الالتقاء - رقم الحديث (8574) - وابن إسحاق في السيرة (2/ 239).
(1)
سورة الفرقان آية (77) - وانظر كتاب إلى الإسلام من جديد ص 14. للشيخ أبي الحسن النَّدْوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.