الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ -رَغْمَ شُهْرَتِهَا- ضَعِيفَةٌ مِنْ حَيْثُ السَّنَدِ، وَمُخَالِفَة لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ التِي أخْرَجَهَا الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الذِي اخْتَارَ النُّزُولَ عَلَى أفْضَلِ مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بِئْرِ بَدْرٍ أَوَّلَ مَا نَزَلَ.
*
بِنَاءُ العَرِيشِ
(1):
وَبَعْدَ أَنْ نَزَلَ المُسْلِمُونَ عَلَى المَاءِ وَاسْتَقَرَّ أمْرُهُمْ، قَالَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! ألا نَبْنِي لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، وَنُعِدُّ عِنْدَكَ رَكَائِبكَ (2)، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا، فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ لَكَ حُبًّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُون مَعَكَ.
فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ.
ثُمَّ بُنِيَ العَرِيشُ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدٍ (3)، فَوْقَ تَلٍّ مُشْرِفٍ (4) عَلَى المَعْرَكَةِ،
= (5857) - قال الذهبي: هذا حديث منكر، وسنده واه - وأخرجها ابن إسحاق في السيرة (2/ 232) بإسناد منقطع - والأموى كما عند ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 283) وفي سنده الكلبي وهو متروك - وأوردها الحافظ في الإصابة (2/ 9) وضعَّفَ إسنادها.
(1)
العَرِيشُ: هو خيمةٌ من خَشَب أو عِيدان تُنْصب ويُظلل عليها. انظر لسان العرب (9/ 134).
(2)
الرَّكَائِبُ: هي الإبل التي تَحْمل القوم. انظر لسان العرب (5/ 296).
(3)
الجَرِيدَةُ: هي السَّعْفَة. انظر النهاية (1/ 249).
(4)
المُشْرِف: المكان الذي تُشرف عليه وتعلوه. انظر لسان العرب (7/ 90).
فَدَخَلَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه (1).
وَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رضي الله عنه مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ في نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ: فَهَذِهِ خُصُوصِيَّة لِلصِّدِّيقِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في العَرِيشِ، كَمَا كَانَ مَعَهُ في الغَارِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ (3).
وَهَذِهِ الفِكْرَةُ التِي أشَارَ بِهَا سَعْدٌ رضي الله عنه هِيَ مِنْ أدَقِّ فُنُونِ الحَرْبِ، فَالقَائِدُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْأَى عَنْ مَيْدَانِ القِتَالِ؛ حَتَّى يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّوْجِيهِ وَالإِشَارَةِ بِمَا يَرَاهُ مِنْ أسَالِيبِ القِتَالِ، وَحَتَّى لَا يُصَابَ فَيَنْفَرِطَ بِإِصَابَتِهِ عِقْدُ الجَيْشِ، فَيَكُونَ مَاَلَهُ الفَشَلُ والهَزِيمَةُ (4).
(1) جاء ذكر العريش في صحيح البخاري - كتاب التفسير - باب قوله تَعَالَى: {السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} - رقم الحديث (4877) - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر. . . - ورواه الأموي من حديث ابن إسحاق كما في البداية والنهاية (3/ 293): أن النبي صلى الله عليه وسلم خَفَقَ خفقةً في العريش، -يقال خفقَ فلان خفقةً: إذا نام نومة خفيفة-، ثم انتبه، فقال:"أبْشِر يا أبا بكر أتَاك نصرُ اللَّه، هذا جبريل، آخذ بِعِنَانِ فرسه، يقوده علي ثنايَاه النَّقْع"، وإسناده حسن كما قال الألباني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تعليقه علي فقه السيرة ص 226 للغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأخرجه ابن إسحاق في السيرة (2/ 239) بدون سند.
(2)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 240).
(3)
انظر البداية والنهاية (3/ 288).
(4)
انظر السِّيرة النَّبوِيَّة للدكتور محمد أبو شهبة رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (2/ 135).
أَخْرَجَ البَزَّارُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: يَا أيُّها النَّاسُ مَنْ أشْجَعُ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أمَا إِنِّي مَا بَارَزَنِي أَحَدٌ إِلَّا انْتَصَفْتُ مِنْهُ، وَلَكِنْ هُوَ أَبُو بَكْرٍ، إنَّا جَعَلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرِيشًا، فَقُلْنَا مَنْ يَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهْوِي إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَوَاللَّهِ مَا دَنَا مِنَّا أحَدٌ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ شَاهِرًا بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا يَهْوِي إِلَيْهِ أحَدٌ إِلَّا أَهْوَى عَلَيْهِ، فَهَذَا أشْجَعُ النَّاسِ (1).
* تَعْبِئَةُ (2) الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ وَقَضَاؤُهُ اللَّيْلَ مُصَلِّيًا:
ثُمَّ صَفَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أصْحَابَهُ، وعَبَّاَهُمْ لَيْلًا أحْسَنَ تَعْبِئَةٍ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ السَّاجَ عَشَرَ مِنْ رَمَضانَ، وَجَعَلَ يَمْشِي في مَوْضِعِ المَعْرَكَةِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ في أَرْضِ الْمَعْرَكَةِ، وَيَقُولُ:"هَذَا مَصْرَعُ (3) فُلَانٍ غَدًا، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شاءَ اللَّهُ (4)، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ، هَهُنَا وَهَهُنَا". قَالَ أنَسٌ
(1) أورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 287) - والحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 560).
(2)
يُقال: عبَّأتُ الجيش: أي رتبتهم في مواضعهم وهَيَّأتهم للحرب. انظر النهاية (3/ 153).
(3)
المَصْرَع: هو موضع القتل. انظر جامع الأصول (8/ 181).
(4)
ذكرنا فيما تقدم أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه بمقتلِ رُؤُوس الكفار قبل ذلك.
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في البداية والنهاية (3/ 292): ولا مانع من الجمع بين ذلك، بأن يُخبر به قبل بيوم وأكثرَ، وأن يُخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة، واللَّه أعلم.