الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُمَّى المَدِينَةِ
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأُ (1) أَرْضِ اللَّه مِنَ الحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسُقْمٌ، وصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم (2).
وأخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا، فَاجْتَوَيْنَاهَا وأصَابَنَا بِهَا وَعْكٌ (3).
واجْتَوَى (4) المُهَاجِرُونَ المَدِينَةَ، وَلَمْ يُوَافِقْ هَوَاؤُهَا أبْدَانَهُمْ، وجَهِدُوا حَتَّى كَانُوا مَا يُصَلُّونَ إِلَّا وَهُمْ قُعُودٌ.
فَقَدْ أخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه
(1) الوباء: المرض العام. انظر النهاية (5/ 127).
قال الحافظ في الفتح (4/ 589): لا يعارض قُدُومهم عليها -أي على المدينة- وهي بهذه الصِّفَة نَهْيه صلى الله عليه وسلم عن القدومِ على الطَّاعُونِ، لأن ذلك كان قَبْلَ النهي، أو أن النَّهْيَ يختَصُّ بالطاعون، ونحوه من المَوْتِ الذَّرِيعِ لا المَرَض ولو عَمَّ.
(2)
أخرج ذلك: الإمام البخاري في صحيحه - كتاب فضائل المدينة - باب (12) - رقم الحديث (1889) - وابن إسحاق في السيرة (2/ 200).
(3)
الوَعْكُ: الحُمَّى. انظر النهاية (5/ 179)، والخبرُ أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (948).
(4)
اجْتَوَى: أي أصابهم الجَوَى: وهو المَرَض وداءُ الجَوْفِ إذا تَطَاول، وذلك إذا لم يوافقهم هَوَاؤُها واستوخَمُوها -أي استْثَقُلوها-. انظر النهاية (1/ 307).
قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وهِيَ مَحَمَّةٌ (1)، فَحُمَ النَّاسُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَسْجِدَ والنَّاسُ قُعُودٌ يُصَلُّونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَلَاةُ القَاعِدِ نِصْفُ صَلَاةِ القَائِمِ"(2)، فتَجَشَّمَ (3) النَّاسُ الصَّلَاةَ قِيَامًا عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ والسُّقْمِ، الْتِمَاسَ الفَضْلِ (4).
وأخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، اشْتَكَى أصْحَابُهُ، وَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، وعَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وبِلَالٌ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيَادَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهَا،
(1) مَحَمّةٌ: أي ذات حُمَّة، يقال: أحَمَّت الأرض: أي صارَتْ ذات حُمى. انظر النهاية (1/ 428).
(2)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (6/ 13): معناهُ أَنَّ صلاةِ القاعدِ فيها نِصْفُ ثوابِ القائمِ فيتضَمَّن صِحتها ونُقْصَان أجْرِها، وهذا الحديث محمولٌ على صَلاة النَّفْلِ قَاعِدًا مع القُدْرَة على القيامِ، فهذا له نِصْفُ ثوابِ القائم، وأما إذا صلى النفْلَ قَاعدًا بعَجْزِه عن القيام فلا ينقُص ثَوابه، بل يكون كثَوَابه قَائمًا للحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه - رقم الحديث (2996) - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كَانَ يعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"، وأما الفَرْضُ فإن الصلاة قاعدًا مع قُدرته على القيام لم يَصح، فلا يكون فيه ثَوَاب بل يأثَمُ به، وإن صلَّى الفرضَ قاعدًا لعجْزِهِ عن القيام أو مُضْطَجعًا لعجزِهِ عن القيامِ والقُعُود، فثوابُهُ كثوابِهِ قَائمًا لم ينقُص باتِّفاقِ أصحَابِنَا.
(3)
تَجَشَّمَ: أي تَكَلَّفَ. انظر النهاية (1/ 265).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم الحديث (12395)، وابن إسحاق في السيرة (2/ 202).
فَقَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ (1).
فَقَالَ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ (2) فِي أَهْلِهِ
…
وَالمَوْتُ أَدْنَى (3) مِنْ شِرَاكِ (4) نَعْلِهِ
وَسَألَتْ عَامِرَ بنَ فُهَيْرَةَ، فَقَالَ:
إنِّي وَجَدْتُ المَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ
…
إِنَّ الجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِه
وسَألَتْ بِلَالًا، فَقَالَ:
ألَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً
…
بِوَادٍ (5) وَحَوْلي إِذْخِرٌ (6) وَجَلِيلُ (7)
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 679): أي تجِدُ نفسك أو جسدك.
(2)
قال الحافظ في الفتح (7/ 679): أي مُصَابٌ بالموت صباحًا.
(3)
أدْنَى: أي أقرَب. انظر فتح الباري (7/ 679).
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 679): الشِراك بكسر الشين: وهو السَّير الذي يكون في وجه النَّعْل، والمعنى: أن الموت أقربُ إلى الشخصِ من شِرَاك نَعله لرجله.
(5)
قال الحافظ في الفتح (7/ 679): أي بِوَادي مكة.
(6)
الإذْخِر: بكسر الهمزة هو حَشِيشَةٌ طَيِّبةُ الرائحةِ تُسْقَّفُ بها البيوتُ فوقَ الخَشَب. انظر النهاية (1/ 36).
(7)
قال الحافظ في الفتح (7/ 679): جَلِيل: هو نبتٌ ضَعِيف يُحْشَى به خصاص البيوت وغيرها.
وَهَلْ أَرِدَنَّ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ (1)
…
وَهَلْ بيدُوَنَّ (2) لِيَ شَامَةٌ وَطَفِيلُ (3)
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّهُمْ لَيَهْذُونَ (4) ومَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدَّةِ الحُمَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالجُحْفَةِ"(5).
وأخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّه بنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
(1) مِيَاهُ مِجَنَّة: موضعٌ على أميال من مكة، وكان يُقام بها للعرب سُوق. انظر النهاية (4/ 257).
(2)
يبدُونَّ: أي يَظهر. انظر لسان العرب (1/ 347).
(3)
قال الحافظ في الفتح (7/ 679): شامَةٌ وطَفِيل هما: جَبَلان بقرب مكة.
(4)
هَذَأ الكلام: إذا أكثر منه في خطأ. انظر لسان العرب (15/ 63).
(5)
قال الحافظ في الفتح (4/ 161): الجحفة بضم الجيم هي قريةُ خربة بينها وبين مكةَ خَمْسُ مراحل أو سِتة، وسُمِّيت الجُحفة؛ لأن السَّيْلَ أجحَفَ بها -أي ذهب بها- وهي مِيقَاتُ أهلِ مِصرَ والشام.
قلتُ: والجحفة اليومَ مُنْدَثِرَةٌ ويُحْرَم حاليًا من رَابغ وتبعُدُ عن مكة (183) كيلو.
وأخرج ذلك: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (24360)(24288) - وابن حبان في صحيحه - كتاب الحظر والإباحة - باب إباحة عيادة المرأة أباها وموالي أبيها - رقم الحديث (5600) - وأصل الحديث عند البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة - رقم الحديث (3926) - وكتاب فضائل المدينة - باب (12) - رقم الحديث (1889) - وكتاب المرض - باب من دعا برفع الوباء والحُمَّى - رقم الحديث (5677) - ومسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب الترغيب في سكنى المدينة - رقم الحديث (1376).