الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُشْرِكِينَ، وَيَجْمَعُونَ الغَنَائِمَ، وَقَدْ كَانَ لِلرُّمَاةِ دَوْرٌ بَارِزٌ في هَذَا النَّصْرِ المُؤَزَّرِ، فَقَدْ حَمَلَتْ (1) خَيْلُ المُشْرِكِينَ بِقِيَادَةِ خَالِدِ بنِ الوَليدِ رضي الله عنه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى المُسْلِمِينَ، لِيُحْدِثُوا البَلْبَلَةَ وَالِاضْطِرَابَ في صُفُوفِهِمْ، لَكِنْ دُونَ جَدْوَى بِسَبَبَ نَضْحِ (2) الرُّمَاةِ عَلَيْهِمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى رَجَعَتْ خَيْلُهُمْ مَغْلُوبَةً، وَفَشِلَتْ هَجَمَاتُهُمُ الثَّلَاثُ (3).
*
مُخَالفَةُ الرُّمَاةِ أَمْرَ الرَسُولِ صلى الله عليه وسلم
-:
وَبَيْنَمَا المُسْلِمُونَ يَتْبَعُونَ المُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، وَيَجْمَعُونَ الغَنَائِمَ، وَإِذْ بِالرُّمَاةِ الذِينَ وَضَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الجَبَلِ يَتْرُكُونَ أَمَاكِنَهُمْ.
أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنِ البَرَاءَ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: . . . فَهَزَمُوهُمْ، . . . فَقَالَ أَصحَابُ ابْنِ جُبَيْرٍ: الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الغَنِيمَةَ، ظَهَرَ (4) أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنتظِرُونَ؟ .
فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5)؟ .
(1) حَمَلَ: أي جهد. انظر لسان العرب (3/ 336).
(2)
يُقال نضحوهم بالنبل: إذا رموهم. انظر النهاية (5/ 60).
(3)
انظر دلائل النبوة للبيهقي (3/ 210).
(4)
ظهَرَ: غلَبَ. انظر النهاية (3/ 152).
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسَّيَر - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب - رقم الحديث (3039).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءَ بنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: . . . قَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهُ بنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا تَبْرَحُوا (1).
فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ، فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ (2).
وَفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ في المُسْنَدِ وَالحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: . . . فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَاحُوا (3) عَسْكَرَ المُشْرِكِينَ، أَكَبَّ (4) الرُّمَاةُ جَمِيعًا (5)، فَدَخَلُوا في العَسْكَرِ يَنْهَبُونَ (6).
وَتَرَكَ أَغْلَبُ الرُّمَاةِ الخَمْسِينَ أَمَاكِنَهُمْ التِي أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَتْرُكُوهَا، وَخَلَّوْا ظُهُورَ المُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ، وَثَبَتَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ جُبَيْرٍ رضي الله عنه في مَكَانِهِ وَثَبَتَ مَعَهُ نَفَرٌ مَا يَبْلُغُونَ العَشَرَةَ (7).
(1) برَحَ مكانَهُ: زالَ عنه. انظر لسان العرب (1/ 361).
والخبر أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب غزوة أُحد - رقم الحديث (4043).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب - رقم الحديث (3039) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18593).
(3)
استباحُوهم: أي استأصَلُوهُم. انظر لسان العرب (1/ 534).
(4)
أكبَّ علي الشيءِ: أقبلَ عليه ولزِمَه. انظر لسان العرب (12/ 8).
(5)
قلتُ: يُفهم من كلام ابن عباس رضي الله عنهما: أن كُلَّ الرماة نزَلُوا عن الجبل؛ ليأخُذُوا الغنائم، وهو صحيحٌ إلا عدد قليل لا يتجاوز العشرة.
(6)
النَّهب: الغارَة والسَّلَب. انظر لسان العرب (14/ 299).
والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2609) - والحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - باب غزوة أُحد - رقم الحديث (3217).
(7)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 86) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (3/ 249).
وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ (1) مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا (2) وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ (3)} (4).
وَالقُرْآنُ يُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى خَفَايَا القُلُوبِ، التِي مَا كَانَ المُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ يَعْرِفُونَ وُجُودَهَا في قُلُوبِهِمْ (5).
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ: فَلَوْ حَلَفْتُ يَوْمَئِذٍ رَجَوْتُ أَنْ أَبَرَّ، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا يُرِيدُ الدُّنْيَا، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} (6).
وَبِذَلِكَ يَضَعُ قُلُوبَهُمْ أَمَامَهُمْ مَكْشُوفَةً بِمَا فِيهَا، وَيُعَرِّفُهُمْ مِنْ أَيْنَ جَاءَتْهُمُ الهَزِيمَةُ لِيَتَّقُوهَا (7).
(1) قال البراء بن عازب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية، كما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح - رقم الحديث (18600): أي عصيتُمْ الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما أرَاكم الغَنَامْ وهزيمَةَ العدو.
(2)
قال الإمام القرطبي في تفسيره (5/ 363): أي الغنيمة.
(3)
قال الإمام القرطبي في تفسيره (5/ 363): هم الذين ثبتوا في مراكِزِهِم، ولم يُخَالفوا أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم مع أمِيرِهم عبد اللَّه بن جبير رضي الله عنه.
(4)
سورة آل عمران آية (152).
(5)
انظر في ظلال القرآن (1/ 494).
(6)
أخرج هذا الأثر عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (4414) - وإسناده حسن لغيره.
(7)
انظر في ظلال القرآن (1/ 494).