الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَهَذِهِ أحَادِيثٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِمُوَافَقَةِ حُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الإِلْزَامِ بِمَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاتِّباعِ الشَّرْعِ المُحَمَّدِيِّ لَا مَحَالَةَ، وَلَكِنْ هَذَا بِوَحْيٍ خَاصٍّ مِنَ اللَّهِ عز وجل، إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وسُؤَالُهُ إيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِيُقَرِّرَهُمْ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ، مِمَّا تَرَاضَوْا عَلَى كِتْمَانِهِ وَجَحْدِهِ، وعَدَمِ العَمَلِ بِهِ تِلْكَ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ، فَلَمَّا اعْترَفُوا بِهِ مَعَ عَمَلِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ، بِأَنَّ زَيْغَهُمْ وعِنَادَهُمْ وتَكْذِيبَهُمْ لِمَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الكِتَابِ الذِي بِأَيْدِيهِمْ، وعُدُولهِمْ إِلَى تَحْكِيمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ عَنْ هَوًى مِنْهُمْ وشَهْوَةٍ لِمُوَافَقَةِ آرَائِهِمْ، لَا لِاعْتِقَادِهِمْ صِحَّةَ. مَا يَحْكُمُ بِهِ؛ لِهَذَا قَالُوا:{إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا} ، والتَّحْمِيمَ {فَخُذُوهُ} أي: اقْبَلُوهُ، {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} أيْ: مِنْ قَبُولهِ واتِّبَاعِهِ (1).
*
سُؤَالُهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حُكْمِ الدِّيَةِ:
كَمَا سَأَلُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَنْ حُكْمِ الدِّيَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وأَبُو دَاوُدَ في سُنَنِهِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ، وَكَانَتِ النَّضِيرُ أشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ
= الزنى - رقم الحديث (1700) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18525).
(1)
انظر تفسير ابن كثير (3/ 116).
قُرَيْظَةَ وُدِيَ (1) مِئَةَ وَسْقٍ (2) مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ، فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا نَقْتُلُهُ، فَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَوْهُ فنَزَلَتْ:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (3)
وَالقِسْطُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ نَزَلَتْ:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (4).
وفِي رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ، وأبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (5). قَالَ: كَانَ بَنُو النَّضِيرِ إِذَا قَتَلُوا قَتِيلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، أَدُّوا إِلَيْهِمْ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَإِذَا قتَلَ بَنُو قُرَيْظَةَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ قَتِيلًا، أَدُّوا إلَيْهِمُ الدِّيَةَ كَامِلَة، فَسَوَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمُ الدِّيَةَ (6).
(1) وُدِيَ: أي أُعْطِيَ دِيَتَهُ. انظر النهاية (5/ 148).
(2)
الوِسْقُ: سِتُّون صاعًا. انظر النهاية (5/ 161).
(3)
سورة المائدة آية (42).
(4)
سورة المائدة آية (50) - والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب القضاء - باب الإخبار عن السبب الذي من أجله أنزل اللَّه جل وعلا {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} - رقم الحديث (5057) - وأخرجه أبو داود في سننه - كتاب الديات - باب النفس بالنفس - رقم الحديث (4494).
(5)
سورة المائدة آية (42).
(6)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (3434) - وأبو داود في سننه - كتاب الأقضية - باب الحكم بين أهل الذمة - رقم الحديث (3591).