الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أَبِي أيُّوبٍ الأَنْصَارِيِّ:
ذَكَرْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَبِي أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، وَقَدْ فرِحَ أَبُو أَيُّوبٍ رضي الله عنه بِنُزُولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ، وكَان رضي الله عنه شَدِيدَ الحِرْصِ عَلَى رَاحَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي القِسْمِ السُّفْلِيِّ مِنْ بَيْتِ أَبِي أيُّوبٍ، وأَبُو أَيُّوبَ
= التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه رُفِعَ إليه صَكٍّ -أي حُجَّة- لرجلٍ على آخر وفيه: إنه يحل عليه في شعبان، فقال عمر رضي الله عنه: أي شَعْبان؟ أشَعْبَان هذه السنة التي نحن فيها، أم السنة الماضية، أم الآتية؟
ثم جَمَعَ الصحابة فاستشارهم في وضع تاريخ يتعرَّفُون به حُلُولَ الديون وغير ذلك، فقال قائل: أرِّخوا كتاريخِ الفرس فكَرِه عمر رضي الله عنه ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بمُلُوكهم واحد بعد واحد، وقال قائل: أرخوا بتاريخ الرُّوم، وكانوا يؤرخون بملك إسكندر بن فلبس المَقْدُوني فكَرِه عمر رضي الله عنه ذلك، وقال آخرون أرخوا بمولد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: بل بمبعثه، وقال آخرون: بل بهجرته، وقال آخرون: بل بوفَاته، فمال عمر رضي الله عنه إلى التاريخ بالهجرة لظهورهِ واشتهارِه، واتفقوا معه على ذلك.
وقال الحافظ في الفتح (7/ 687): وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مُناسبة، فقال: كانت القضايا التي اتفقت له، ويمكن أن يُؤَرَّخ بها أربعة: مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته صلى الله عليه وسلم، فرجح عندهم جعلها من الهجرة لأن المولِدَ والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما تُوقِع بذكره من الأسَفِ عليه صلى الله عليه وسلم، فانحَصَر في الهِجْرة، وإنما أخَّروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداءَ العزْمِ على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة -أي بيعة العقبة الثانية- وقعت أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلالٍ استهل بعد البيعة، والعزم على الهجرة هلال المحرم فناسبَ أن يجعل مبتدأ، وهذا أقْوَى ما وقفتُ عليه من مناسبةِ الابتداء بالمحرم.
وَزَوْجَتُهُ فِي القِسْمِ العُلْوِيِّ، فَانْتَبَهَ أَبُو أيُّوبٍ لَيْلَةً فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم!
فتَنَحَّوا فَكَانُوا فِي جَانِبٍ، فَلَمْ يَزَلْ سَاهِرًا حَتَّى أصْبَحَ، وفي الصَّبَاحِ أتَى الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنِّي لَأَكْرَهُ، وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ، وتَكُونَ تَحْتِي، فكُنْ أَنْتَ فِي العُلْوِ، ونَنْزِلُ نَحْنُ فَنَكُونُ فِي السُّفْلِ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم:"يَا أبَا أيُّوبَ السُّفْلُ أرْفَقُ بِنَا وبِمَنْ يَغْشَانَا"(1).
قَالَ أَبُو أيُّوبٍ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم في سُفْلِهِ، وكُنَّا فَوْقَهُ فِي المَسْكَنِ، فَلَقَدِ انْكَسَرَ حُبٌّ (2) لَنَا فِيهِ مَاءٌ، فَقُمْتُ أنَا وَأُمُّ أيُّوب بِقَطِيفَةٍ (3) لنَا، مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرُهَا، نَنَشِّفُ بِهَا المَاءَ تَخَوُّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَيْءٌ فيؤْذِيَهُ، فنَزَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، وَلَمْ يَزَلْ أَبُو أيُّوبٍ بِالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، يَرْجُوهُ ويُلحُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ صلى الله عليه وسلم فِي الأَعْلَى، وَأَنْ يَكُونَ أَبُو أيُّوب فِي الأَسْفَلِ، فَقَبِلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ فِي الأَعْلَى.
قَالَ أَبُو أيُّوب رضي الله عنه: وكُنَّا نَصْنَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العَشَاءَ، ثُمَّ نَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْنَا فَضْلَهُ تَيَمَّمْتُ (4) أنَا وَأُمُّ أيُّوبٍ مَوْضعَ أصَابِعِهِ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ
(1) غَشَوْهُ: أي ازدَحَمُوا عليه وكثروا. انظر النهاية (3/ 331).
(2)
الحُبُّ: بضم الحاء: هي الجَرَّة، أو الضخمة منها. انظر القاموس المحيط (1/ 71).
(3)
القَطِيفة: كِسَاء. انظر النهاية (4/ 75).
(4)
يُقال يمَّمْته وتيمَّمته: إذا قَصَدْته. انظر النهاية (5/ 259).
البَرَكَةَ، حَتَّى بَعَثْنَا إِلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ، وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ فِيهِ بَصَلًا أَوْ ثُومًا، فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ أرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا، قَالَ: فَجِئْتُهُ فَزِعًا، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّه! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، رَدَدْتَ عَشَاءَكَ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضعَ يَدِكَ، وكُنْتَ إِذَا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، تيَمَّمْتُ أنا وَأُمُّ أيُّوبٍ موضع يَدِكَ، نَبْتَغِي بِذَلِكَ البَرَكَةَ، فَمَا مَنَعَكَ مِنْهُ؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي وَجَدْتُ فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وأنَا رَجُلٌ أُنَاجِي"، فَقَالَ أبُو أيُّوبٍ: أحَرَامٌ هُوَ؟
قَالَ: "لَا، وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ"(1)، فَقَالَ أَبُو أيُّوبٍ: فَإِنِّي أكْرَهُ مَا تَكْرَهُ (2).
وذَلِكَ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ تَأْتِيهِ المَلَائِكَةُ (3).
قَالَ أَبُو أيُّوبٍ: وَلَمْ نَصْنَعْ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّوْمِ أَوِ البَصَلِ بَعْدُ (4).
(1) في رواية ابن حبان في صحيحه بسند صحيح - رقم الحديث (2092) قال أبو أيوب رضي الله عنه: لم أرَ أدرَك فيه يا رسول اللَّه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أستَحْى من ملائكة اللَّه، وليَس بمُحَرَّم".
(2)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (14/ 10): وأما كراهة أبي أيوب رضي الله عنه فمن الأدب المَحْبُوب الجميل، وفيه إجلال أهل الفضل والمبالغة في الأدب معهم.
(3)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (14/ 10): وفي الحديث منقبة ظاهرةٌ لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه من أوجُهٍ منها: نُزُوله أسفلَ النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها أدبُه معه، ومنها موافقتُه في تَرْكِ الثُّومِ.
(4)
أخرج نزول الرسول صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب رضي الله عنه: الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الأشربة - باب إباحة أكل الثوم - رقم الحديث (2053) - والإمام أحمد في مسنده - رقم=