الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأصْحَابُهُ يَبْنُونَ المَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ المِسْحَاةَ (1)، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي المِسْحَاةَ وَعَمَلِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"دَعُوا الحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ"(2).
وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ في مُسْنَدِهِ وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "قَدِّمُوا اليَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ أحْسَنكُمْ لَهُ مَسًّا، وأشَدُّكُمْ مِنْكَبًا"(3).
وكَانَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ:
لَا يَسْتَوِي مَنْ يَعْمُرُ المَسَاجِدَا
…
يَدْأَبُ فِيهَا قَائِمًا وَقَاعِدا
وَمَنْ يُرَى عَنِ التُّرَابِ حَائِدًا (4)
*
شِدَّةُ عَمَّارٍ رضي الله عنه في العَمَلِ:
وَكَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَحْمِلُونَ لَبِنَة لَبِنَةً، وجَعَلَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ رضي الله عنه يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ (5)، وكَانَ رَجُلًا ضَابِطًا (6)، فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَنْفُضُ
(1) المِسْحَاة: هي المِجْرَفَة من الحديد. انظر النهاية (4/ 280).
(2)
أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (24009/ 31).
(3)
المِنكب: هو ما بين الكتفِ والعنقِ، أَرادَ صلى الله عليه وسلم قوّته على التحمل. انظر النهاية (5/ 99).
والحديث أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (24009/ 27) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الطهارة - باب نَواقض الوضوء - رقم الحديث (1122).
(4)
أورد ذلك الحافظ في الفتح (7/ 659).
(5)
قال الحافظ في الفتح (2/ 112): فيه جوازُ ارتكابِ المَشَقَّة في عَمَل البِرّ.
(6)
الضَّابِطُ: الشديدُ البَطْشِ والقوةِ والجِسْم. انظر لسان العرب (8/ 16) - النهاية (3/ 67).
التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ (1) وهُوَ يَقُولُ: "يَا عَمَّارُ ألَا تَحْمِلُ مَا يَحْمِلُ أصْحَابُكَ؟ " قَالَ: إنِّي أُرِيدُ الأَجْرَ مِنَ اللَّهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"ابْنَ سمَيَّةَ، لِلنَّاسِ أَجْرٌ وَلَكَ أجْرَانِ، وآخِرُ زَادِكَ شَرْبَةٌ مِنْ لَبَنٍ (2)، وتَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ"(3).
وفي رِوَايَةٍ أُخْرَى في صَحِيحِ البُخَارِيِّ قَالَ صلى الله عليه وسلم لمَّا رَأَى عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ: "وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُله الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إلى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إلى النَّارِ"(4).
(1) قال الحافظ في الفتح (2/ 112): فيه إكرامُ العاملِ في سبيل اللَّه والإحسان إليه بالفعل والقول.
(2)
أخرج الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18880) - والحاكم في المستدرك - رقم الحديث (5709) - والحديث صحيح - عن أبي البختري قال: قال عمَّار يوم صِفِّين: ائتُوني بشَربَةِ لبَنٍ، فإن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"آخر شَرْبَةٍ تشربها من الدنيا شَرْبة لَبَنٍ"، فأُتِيَ بشربةِ لَبَنٍ، فشربها، ثم تَقَدَّم فَقُتِل.
(3)
أورد هذا الحديث الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 213) وقال: هذا إسناد على شرط الصحيحين.
قلتُ: وقع في صحيح مسلم - كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب لا تقوم الساعة حتَّى يَمُرُّ الرَّجل بقبرِ الرَّجل - رقم الحديث (2915) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26482) - أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال لعمارٍ رضي الله عنه، حين جعل يَحْفِرُ الخندقَ:"تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ".
والإشكال هنا قوله: يحفِرُ الخندق.
قال البيهقي في الدلائل (2/ 549): يُشبه أن يكون ذِكْر الخَنْدق وهمًا، أو كان قد قال له ذلك عند بناء المسجد، وقالها يوم الخندقِ، واللَّه أعلم.
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 213): حَمْلُ اللبن في حَفْرِ الخندقِ لا معنى له، والظاهر أنَّه اشتَبَه على النَّاقل، واللَّه أعلم.
(4)
قال الحافظ في الفتح (2/ 112): فإن قِيل كان قَتْلُ عمار رضي الله عنه بِصِفِّين سنة (36 هـ) وهو مع علي رضي الله عنه، والذين قتَلوه مع معاوية رضي الله عنه، وكان معه جماعة من الصَّحَابَة، فكيف يجوزُ عليهم الدعاء إلى النَّار؟ =