الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
مُلَاطَفَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها:
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَاطِفُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، ويُبَاسِطُهَا، ويُرَاعِي صِغَرَ سِنِّهَا، فَقَدْ أخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وكَانَتْ تَأْتِيني صَوَاحِبِي، فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ (1) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَرِّبُهُنَّ (2) إِلَيَّ (3).
وأخْرَجَ ابنُ حِبَّانَ وأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ، وفِي سَهْوَاتِهَا (4) سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ، فكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ " قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهَا جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ " قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ:"وَمَا هَذَا الذِي عَلَيْهِ؟ " قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ:"فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ! " قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ ، قَالَتْ: فَضحكَ
(1) يَنْقَمِعْنَ: أي تَغَيَّبْنَ ودَخَلْنَ في بيت، أو من وَرَاءِ سِتْر. انظر النهاية (4/ 92).
(2)
يُسرِّبهن: أي يبعَثُهُن ويُرْسِلُهن إليّ. انظر النهاية (2/ 321).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأدب - باب الانبساط إلى الناس - رقم الحديث (6130) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب في فضل عائشة رضي الله عنها رقم الحديث (2440).
(4)
السَّهْوَة: بيت صغيرٌ منْحَدِرٌ في الأرض قليلًا، شَبِيهٌ بالمَخْدَع والخِزَانة. انظر النهاية (2/ 386).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَأَيْتُ نوَاجِذَهُ (1).
وأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ! وتَنَاوَلَهَا، أترْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ، جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لها يترَضَّاهَا:"ألَا ترَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَكِ؟ "، فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّه، أشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا (2).
وأخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وعِنْدِي جَارِيتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ (3) بُعَاثَ،
(1) النَّوَاجِذُ من الأسنَانِ: هي التي تبدُو عندَ الضَّحِكِ، والأكثر الأشهَرُ أنها أقْصَى الأسنان. انظر النهاية (5/ 17)
والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب الحظر والإباحة - باب اللعب واللهو - رقم الحديث (5864) - وأبو داود في سننه - كتاب الأدب - باب في اللعب بالبنات - رقم الحديث (4932).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18394) - وأبو دواد في سننه - كتاب الأدب - باب ما جاء في المزاح - رقم الحديث (4999).
(3)
في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (952)، قالت رضي الله عنها: تُغَنِّيَانِ بما تَقَاوَلَتِ الأنصار يوم بُعَاث. -أي بما قال بعضهم لبعضٍ من فَخْرٍ أو هِجَاء- وبُعَاث تَقَدَّم الكلام عليها قبل الهجرة.
فَاضْطَجَعَ عَلَى الفِرَاشِ وحَوَّلَ وَجْهَهُ، ودَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانتهَرَنِي (1) وَقَالَ: مِزْمَارَةُ (2) الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! فَأَقبلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "دَعْهُمَا"(3)، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ (4) والحِرَابِ، فإمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وإمَّا قَالَ:"أتشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ "، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ:"دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ"(5).
حَتَّى إِذَا مَلَلْتُ قَالَ: "حَسْبُكِ؟ "، قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاذْهَبِي"(6).
(1) في رواية الزهري قالت رضي الله عنها: فانْتَهَرَهُما: أي الجَارِيَتَين.
قال الحافظ في الفتح (3/ 116): ويجمع بأنه شَرَّك بينهن في الانتهار والزجر، أما عائشة فلتقْرِيرِها، وأما الجاريتين فلِفِعْلِهِمَا.
(2)
قال الحافظ في الفتح (3/ 116): المِزْمَارُ: بكسر الميم يعني الغِنَاء أو الدُّفّ؛ لأن المِزْمَارَة أو المِزْمَار مشْتَقٌّ من الزَّمير وهو الصوتُ الذي له الصَّفِيرُ، ويُطلق على الصوت الحَسَنِ وعلى الغِنَاء، وسُقَيَتْ به الآلَةُ المعروفةُ التي يُزْمَر بها، وإضافتها إلى الشيطان من جِهَة أنها تُلْهِي، فقد تُشْغِلُ القلبَ عنِ الذِّكر.
(3)
قال الحافظ في الفتح (3/ 116): فيه تعليلُ الأمر بتركِهِما، وإيضاحُ خلافِ ما ظنَّه الصديق رضي الله عنه من أنهما فعلَتَا ذلكَ بِغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونِه دخَل فوجدَهُ مُغَطّى بثوبه فظنَّه نَائمًا فتوجَّه له الإنكار على ابنتِه من هذه الأوجُهُ مُستصِحبًا لما تقرَّر عنده من مَنْعِ الغِنَاء واللهْوِ، فبادَرَ إلى إنكارِ ذلك. قيَامًا عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك مُسْتَنِدًا إلى ما ظَهَر له، فأوضح له النبي صلى الله عليه وسلم الحَال، وعرّفه الحكم مَقرونًا ببيانِ الحكمة بأنه يوم عِيد، أي يوم سُرور شَرعي، فلا يُنكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراسِ.
(4)
الدَّرَقَة: الدرع. انظر لسان العرب (4/ 333).
(5)
قال الحافظ في الفتح (3/ 119): أَرْفِدَة: بفتح الهمزة وكسر الفاء وقد تُفتح، قيل هو لَقَبٌ للحبشة، وقيل اسم جدِّهم الأكبر.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسِّيَر - باب الدَّرق - رقم الحديث=
وأخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وابنُ حِبَّانَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أسْفَاره، وأنا جَارِيَةٌ لَمْ أحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ:"تَقَدَّمُوا"، فتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي:"تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وبَدُنْتُ (1) ونَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أسْفَارهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ:"تَقَدَّمُوا" فتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ:"تَعَالَى حَتَّى أُسَابِقَكِ"، فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ صلى الله عليه وسلم، وَيَقُولُ:"هَذِهِ بِتِلْكَ"(2).
وأخْرَجَ الشَيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، واِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"، قَالَتْ: قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إبْرَاهِيمَ"(3)، قَالَتْ رضي الله عنها: قُلْتُ: أَجَلْ
= (2906)(2907) - وأخرجه في كتاب العيدين - باب الحِراب والدرق يوم العيد - رقم الحديث (949)(950) - ومسلم في صحيحه - كتاب صلاة العيدين - باب الرخصة في اللعب - رقم الحديث (892)(16)(19).
(1)
بَدُنْتُ: من البَدَانة وهي كثرة اللحْمِ، أي سمنت رضي الله عنها. انظر النهاية (1/ 107).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26277) - وابن حبان في صحيحه - كتاب السير - باب إباحةُ المسابقة بالأقدام إذا لم يكن بين المتسابقين رهان - رقم الحديث (4691).
(3)
قال الحافظ في الفتح (10/ 409): وفي اختيارِ عائشة رضي الله عنها ذِكر إبراهيم عليه=
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّه، مَا أهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ (1).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2): أيْ طَيِّبُوا أقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وحَسِّنُوا أفْعَالَكُمْ، وهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتكُمْ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وأنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ"(3)، وكَانَ مِنْ أخْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَمِيلُ العِشْرَةِ دَائِمُ البِشْرِ، يدَاعِبُ أهْلَهُ، ويَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِّعُهُمْ نَفَقتَهُ، ويُضَاحِكُ نِسَاءهُ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ (4) عَائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، ويَجْتَمعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ التِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ العَشَاءَ فِي بَعْضِ الأحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلهَا، وَكَانَ يَنَامُ مَعَ المَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ (5) وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ
= السلام دُون غيره من الأنبياء دَلالةٌ على مَزِيدِ فِطْنَتِهَا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به كما نَصَّ عليه القرآن، فلمَّا لم يكن لها بد من هَجْرِ الاسم الشريفِ أبدلتهُ بمَنْ هو منه بِسَبِيلٍ حتى لا تَخْرُجَ عن دائرةِ التعلق في الجُمْلَة.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب النكاح - باب غيرة النساء ووجدهن - رقم الحديث (5228) - ومسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب في فضل عائشة رضي الله عنها رقم الحديث (2439).
(2)
سورة النساء آية (19).
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه - كتاب المناقب - باب في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (4233) - وابن حبان في صحيحه - كتاب النكاح - باب معاشرة الزوجين - رقم الحديث (4177) وإسناده صحيح.
(4)
تقدم قبل قليل هذا الحديث.
(5)
الشِّعَار: هو الثوب الذي يَلِي الجَسَد؛ لأنه يلي شعره. انظر النهاية (2/ 429).