الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اللَّطِيمَةَ (1) اللَّطِيمَةَ، أمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ في أَصْحَابِهِ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الغَوْثَ الغَوْثَ (2).
*
رُؤْيَا عَاتِكَةَ
(3):
وَقَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ ضَمْضَمٌ إِلَى مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -عَمَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم رُؤْيَا أخَافتهَا وَأَفْزَعَتْهَا، فَبَعَثَتْ إِلَى أخِيهَا العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي! وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أفْظَعَتْنِي (4) وَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ، فَاكْتُمْ عَنِّي مَا أُحَدِّثُكَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: وَمَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِالأَبْطَحِ (5)، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتهِ: أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدْرٍ لِمَصَارِعِكُمْ في ثَلَاثٍ، فَأَرَى النَّاسَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الكَعْبَةِ، ثُمَّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا: أَلَا انْفِرُوا يَا آل غُدْرٍ
(1) أي أدرِكُوا اللطيمة، واللطيمةُ بفتح اللام هي الجِمَال التي تحمل العِطر والبَزّ. انظر النهاية (4/ 217).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 219) - الطبَّقَات الكُبْرى (1/ 255).
(3)
هي عاتِكَة بنت عبد المطلب، عمَّهَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وشقيقة أبي طالب، وعبد اللَّه والد الرسول صلى الله عليه وسلم، أسلمت وهاجرت.
قال الذهبي في السير (2/ 272): ولم نسمع لها بذكر في غير الرؤيا.
(4)
أفظَعَتْنِي: أكبرتُهَا وخِفْتُها. انظر النهاية (3/ 412).
(5)
أبطُحِ مكة: مَسِيلُ وادِيهَا. انظر النهاية (1/ 134).
لِمَصَارِعِكُمْ في ثَلَاثٍ، ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَة فَأَرْسَلَهَا (1)، فَأَقْبِلِتْ تهْوِي (2) حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الجَبَلِ ارْفَضَّتْ (3)، فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَا دَارٌ إِلَّا دَخَلَتْهَا مِنْهُ فِلْقَةٌ.
فَقَالَ العَبَّاسُ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدٍ.
ثُمَّ خَرَجَ العَبَّاسُ، فَلَقِيَ الوَليدَ بنَ عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا، فَذَكَرَهَا لَهُ، وَاسْتَكْتَمَهُ إيَّاهَا، فَذَكَرَهَا الوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةُ، فَفَشَا (4) الحَدِيثُ بِمَكَّةَ، حَتَّى تَحَدَّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ في أنْدِيَتِهَا.
قَالَ العَبَّاسُ: فَغَدَوْتُ لِأَطُوفَ بِالبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ في رَهْطٍ (5) مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَلَمَّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ: يَا أبَا الفَضْلِ! إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْتُ أقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ! مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: تِلْكَ الرُّؤْيَا التِي رَأَتْ عَاتِكَةُ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا رَأَتْ؟ قَالَ: يَا بَنِى عَبْدِ المُطَّلِبِ! أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنبَأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَنبَأَ نِسَاؤُكُمْ، قَدْ زَعَمَتْ
(1) أرسلَ الشيءَ: أطلقه. انظر لسان العرب (5/ 214).
(2)
يُقال: هوى يَهْوِي هويًا: إذا أسرع في السير. انظر النهاية (5/ 245).
(3)
ارفَضَّت: تفرقت. انظر النهاية (2/ 222).
(4)
فَشَا: أي انتَشَر. انظر النهاية (3/ 403).
(5)
الرَّهط من الرجال: ما دُون العشرة. انظر النهاية (2/ 257).
عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ: انْفِرُوا في ثَلَاثٍ، فَسَنَتَرَبَّصُ (1) بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ، فَإِنْ يَكُ حَقًّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، كتَبْنَا عَلَيْكُمْ كِتَابًا أنَّكُمْ أكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ في العَرَبِ.
قَال العَبَّاسُ: فوَاللَّهِ مَا كان مِنِّي إِليْهِ كبِيرٌ، إِلا أَنِّي جحَدت (2) ذلِكَ وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا، ثُمَّ تَفَرَّقْنَا.
قَالَ الْعَبَّاسُ رضي الله عنه: فَلَمَّا أمْسَيْتُ، لَمْ تَبْقَ امْرَأَهٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَّا أتَتْنِي، فَقَالَتْ: أقْرَرْتُمْ لِهَذَا الفَاسِقِ الخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ في رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ في ذَلِكَ غَيْرَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ؟
قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ فَعَلْتُ: مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ، وَأَيْمُ (3) اللَّهِ لَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ، فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِينَّكُنَّهُ.
قَالَ: فَغَدَوْتُ في اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضبٌ، أُرَى أَنِّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ، قَالَ، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَرَأَيْتُهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أتَعَرَّضُهُ، لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ (4). قَالَ: إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ المَسْجِدِ
(1) التَّرَبُّص: الانتظارُ. انظر لسان العرب (5/ 109).
(2)
الجُحُودُ: الإنكارُ مع العلم. انظر لسان العرب (2/ 182).
(3)
وأيْمُ اللَّه: من ألفاظِ القَسَم، كقولك لعَمْرُ اللَّه، وعَهْدُ اللَّه. انظر النهاية (1/ 86).
(4)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (17/ 169): حَدِيدُ البَصَر: أي قَوِيٌّ نَافذ.