الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي هَذَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ (1) وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (2).
لَقَدْ كَانَتْ خُطَّةً حَكِيمَةً وَدَقِيقَةً جِدًّا، تَتَجَلَّى فِيهَا عَبْقَرِيَّةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم العَسْكَرِيَّةُ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَيِّ قَائِدٍ مَهْمَا تَقَدَّمَتْ كَفَاءَتُهُ أَنْ يَضَعَ خُطَّة أَدَقَّ وَأَحْكَمَ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ احْتَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلَ مَوْضِعٍ مِنْ مَيْدَانِ المَعْرَكَةِ، مَعَ أَنَّهُ نَزَلَ فِيهِ بَعْدَ العَدُوِّ، فَقَدْ حَمَى ظَهْرَهُ وَيَمِينَهُ بِارْتفَاعَاتِ جَبَلِ أُحُدٍ، وَحَمَى مَيْسَرَتَهُ وَظَهْرَهُ، حِينَ احْتَدَمَ القِتَالُ بِسَدِّ الثُّلْمَةِ الوَحِيدَةِ التِي كَانَتْ تُوجدُ في جَانِبِ الجَيْشِ الإِسْلَامِيِّ، وَاخْتَارَ لِمُعَسْكَرِهِ مَوْضِعًا مُرْتَفِعًا يَحْتَمِي بِهِ، إِذَا نَزَلَتْ الهَزِيمَةُ بِالمُسْلِمِينَ، وَلَا يَلْتَجِئُ إلى الفِرَارِ، حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِلْوُقُوعِ في قَبْضَةِ العِدَاءِ المُطَارِدِينَ وَأَسْرِهِمْ (3).
وَهَكَذَا تَمَّت تَعْبِئَةُ الجَيْشِ النَّبَوِيِّ صَبَاحَ يَوْمِ السَّبْتِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ شَوَّالَ مِنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ لِلْهِجْرَةِ.
*
تَحْرِيضُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَصْحابَهُ عَلَى القِتَالِ:
ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يَبُثُّ رُوحَ الحَمَاسَةِ، وَالبَسَالَةِ في أَصْحَابِهِ، وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ عِنْدَ اللقاءِ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِمْ سَيْفًا
(1) قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسير هذه الآية (2/ 110): أي بيّن لهم منازلهم، ونجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم.
(2)
سورة آل عمران آية (121).
(3)
انظر الرحيق المختوم ص 256.
بَاتِرًا (1)، وَقَالَ لَهُمْ:"مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا السَّيْفَ؟ "، فبسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحْجَمَ (2) القَوْمُ"(3).
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ في السِّيرَةِ، قَالَ أَبُو دُجَانَةَ (4) وَاسْمُهُ رضي الله عنه سِمَاكُ (5) بنُ خَرَشَةَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "أَنْ تَضْرِبَ بِهِ العَدُوَّ حَتَّى يَنْحَنِي"(6).
وَفِي رِوَايَةِ البَيْهَقِيِّ في الدَّلَائِلِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَلَّا تَقْتُلَ بِهِ مُسْلِمًا وَلَا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ"(7).
فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ رضي الله عنه: أنا آخُذُهُ بِحَقِّهِ.
قَالَ أَنَسٌ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ (8) المُشْرِكِينَ (9).
(1) البَاتِرُ: القاطِعُ. انظر لسان العرب (1/ 309).
(2)
أحجَمَ القَوْمُ: أي نكصُوا وتأخَّرُوا وتهيبوا أخذه. انظر النهاية (1/ 334).
(3)
أخرج ذلك الإِمام مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي دجانة رضي الله عنه رقم الحديث (2470).
(4)
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ (11/ 158): دُجَانةَ بضم الدال وتخفيف الجيم.
(5)
سِمَاك: بكسر السين وفتح الميم.
(6)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 74).
(7)
أخرج ذلك البيهقي في دلائل النبوة (3/ 233 - 234).
(8)
قال الإِمام النووي في شرح مسلم (16/ 20): قوله رضي الله عنه: ففَلق به هامَ المشركين: أي شَقّ رؤوسهم.
(9)
أخرج ذلك الإِمام مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي =