الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصٍ، فَأَخْبَرَ فِنْحَاصٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ:"مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ " فَأْخَبَرُه، فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاصٌ، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (1).
*
قَصْدُهُمُ الفِتْنَةَ:
قَالَ ابنُ إسْحَاقٍ: قَالَ كَعْبُ بنُ أَسَدٍ، وابْنُ صَلُوبَا، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ صُورِيَا، وشَأْسُ بنُ قَيْسٍ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إلى مُحَمَّدٍ؛ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينهِ، فَإِنَّمَا هُوَ بَشَرٌ، فَأتوْهُ، فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أحْبَارُ (2) يَهْودٍ وأشْرَافُهُمْ وسَادَاتُهُمْ، واَّنا إنِ اتبعناك اتَّبعَتْكَ يَهُودٌ، وَلَمْ يُخَالِفُونَا، وَأَنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ، أفنحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ، ونُؤْمِنُ بِكَ ونُصَدِّقُكَ؟ فَأبى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ
(1) سورة آل عمران آية (181).
وأخرج هذه القصة: ابن إسحاق في السيرة (2/ 171) بدون سند - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (1830) وإسناده حسن - وأوردها الحافظ في الفتح (9/ 99) وحسّن إسنادها.
(2)
الأحبَارُ: جمعُ حَبر بفتح الحاء، وهم العلماء. انظر النهاية (1/ 317).
تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا (1) لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (2).
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ اليَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وأصْحَابِهِ غُدْوَةً (3) ونَكْفُرُ بِهِ عَشِيَّةً (4)، حَتَّى نُلَبِسَ (5) عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ، ويَرْجِعُونَ عَنْ دِينهِ، فَاَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ (6) أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ
(1) قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في تفسيره (3/ 131): أي: ومَنْ أعدَلُ من اللَّه في حكمه لِمن عَقَلَ عن اللَّه شَرعه، وآمن به وأيقَنَ وعَلِم أنه تَعَالَى أحكَمُ الحاكمينَ، وأرحَم بخلقِهِ من الوَالدَةِ بِوَلَدِهَا، فإنه تَعَالَى هو العالمُ بكلِّ شيءٍ، القادرُ على كل شيء، العادِلُ في كل شيء.
(2)
سورة المائدة آية (49 - 50) - والخبر في سيرة ابن هشام (2/ 179).
(3)
الغُدْوَةُ بالضم: ما بين صلاة الغَدَاة -أي الفجر- وطلوعِ الشمس. انظر النهاية (3/ 311).
(4)
العَشِيُّ: هو الوقتُ من بعدَ الزوالِ -أي زوال الشمس- إلى المغرب. انظر النهاية (3/ 219).
(5)
اللَّبْسُ: هو الخَلْط. انظر النهاية (4/ 169).
(6)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/ 60): أي هو الذي يَهْدِي قلوبَ المؤمنين إلى أتَمِّ الإيمان، بما ينزله على عبده ورسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم من الاياتِ البيناتِ، والدلائل القَاطِعَاتِ، والحُجَجِ الواضِحَاتِ، وإن كتَمْتُمْ -أيُّها اليهود- ما بأيدِيكُم من صِفَةِ =