الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فِدَاءُ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبيع رضي الله عنه
-:
مِنَ الأَسْرَى كَذَلِكَ صِهْرُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَبُو العَاصِ بنُ الرَّبِيعِ رضي الله عنه، زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَا زَالَ مُشْرِكًا، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الآثارِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءَ أسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ رضي الله عنها، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي العَاصِ حِينَ بَنَى (1) عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ:"إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الذِي لَهَا، فَافْعَلُوا"، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الذِي لَهَا (2).
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخَذَ عَهْدًا عَلَى أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةَ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَتْ لَا تَزَالُ فِي مَكَّةَ لَمْ تُهَاجِرْ رضي الله عنها.
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلِ الآثَارِ وَالحَاكِمُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، خَرَجَتِ ابْنَتُهُ مِنْ
(1) البِنَاءُ: الدخول بالزوجة. انظر النهاية (1/ 156).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (26362) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4708) - وأبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في فداء الأسير بالمال - رقم الحديث (2692).
مَكَّةَ مَع بَنِي كِنَانَةَ فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهَا -وَكَانَتْ رضي الله عنها حَامِلًا- فَأدْرَكَهَا هَبَّارُ بنُ الأَسْوَدِ، فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا بِرُمْحِهِ حَتَّى صَرَعَهَا، فَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَاهْرِيقَتْ دَمًا، فَانْطَلَقَ بِهَا، وَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَقَالَ بَنُو أُمَيَّةَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهِمْ أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدٌ: هَذَا فِي سَبَبِ أَبِيكِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ:"ألا تَنْطَلِقُ فتَجِئُ بِزَيْنَبَ؟ "(1)، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فَخُذْ خَاتَمِي هَذَا، فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ"، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَلْطُفُ (2) وَتَرَكَ بَعِيرَهُ حَتَّى أَتَى رَاعِيًا، فَقَالَ لَهُ: لِمَنْ تَرْعَى؟ قَالَ: لِأَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ، قَالَ: فَلِمَنْ هَذِهِ الغَنَمُ؟ قَالَ: لِزَيْنَبَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا تُعْطِيَهَا إِيَّاهُ، وَلَا تَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَعْطَاهُ الخَاتَمَ، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي،
(1) قال الإمام الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في شرح مشكل الآثار (1/ 135): تأمَّلنا ما كان من رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من إطلاقه لِزَيد السَّفر بزينب، فوجدنا زَيْدًا قد كان حِينَئِذٍ في تَبَنِّي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إياه، حَتَّى كان يُقال له: زَيْدُ بن محمد، ولم يَزَل بعد ذلك كذلك إلى أن نسخ اللَّه ذلك، فأخرَجَهُ من بُنُوَّته، . . . فوقفنا على أن ما كان أمر به صلى الله عليه وسلم زيدًا قبل ذلك في زينب وفي إباحته لها وله السفر من كل واحد منهما مع صاحبه، كان على الحكم الأول، وفي الحال التي كان زيدٌ فيها أَخًا لزينب، فكان بذلك مَحْرمًا لها، جائزًا له السفر بها، كما يَجُوز لأخ لو كان لها من النسب من السفر بها.
(2)
يُقال: يَلْطُف لطفًا: إذا رَفق، أي أنه كان رضي الله عنه رَفِيقًا بِبَعِيره. انظر لسان العرب (12/ 283).
فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ، وَأَعْطَاهَا الخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ، فَقَالَتْ: مَنْ أَعْطَاكَ هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ، قَالَتْ: وَأَيْنَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: مَكَانَ كَذَا وَكَذا، فَسَكَنَتْ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا زَيْد: ارْكَبِي بَيْنَ يَدَيَّ، قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ ارْكَبْ أَنْتَ، فَرَكِبَ وَرَكِبتْ وَرَاءَهُ حَتَّى أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي (1) أُصِيبَت فِيَّ"(2).
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُثْنِي عَلَى أَبِي العَاصِ بنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه زَوْجِ زَيْنَبَ رضي الله عنها، فَيَقُولُ:"حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي"(3).
(1) قوله صلى الله عليه وسلم: "أفْضَلُ بناتِي".
قال الحافظ في الفتح (7/ 477): وَأَمَّا ما أخرجه الطحاوي وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة مَجِيء زيد بن حارثة بزينب بنت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من مكة، وفي آخره قال:"هِيَ أفضلُ بناتي أُصِيبَتْ فِيَّ"، فقد أجاب عنه بعض الأئمة بتقدير ثُبُوته بأن ذلك كان مُتَقَدِّمًا، ثم وَهَبَ اللَّه تَعَالَى لفاطمة من الأحوال السَّنِيَّة والكمال ما لم يشاركها أحدٌ من نساء هذه الأمة مطلقًا، واللَّه أعلم.
(2)
أخرجه الطحاوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (142) - والحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم باب ذهاب زيد بن حارثة ليجئ بزينب من مكة - رقم الحديث (6919) - وأورده الحافظ في الفتح (7/ 481) وقال: إسناده جيد.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الفضائل - باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم: منهم أَبُو العاص بن الربيع - رقم الحديث (3729) - وأخرجه في كتاب الشروط - باب الشروط في المهر - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب فضائل فاطمة - رقم الحديث (2449)(95) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (4987).