الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِّي: أيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّ رَجُل عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ " قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَعَالِمُنَا وابْنُ عَالِمَنَا، وَأَفْقَهُنَا وَابْنُ أَفْقَهِنَا.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ؟ ".
قَالُوا: أعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: مِثْلَ ذَلِكَ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وجَاهِلُنَا وَابْنُ جَاهِلِنَا.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ رضي الله عنه: هَذَا الذِي كُنْتُ أَتَخَوَّفُ مِنْهُمْ (1).
وَنَزَلَ في عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَوْلهُ تَعَالَى مُخَاطِبا الْيَهُودَ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2).
*
فَضَائِلُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ رضي الله عنه
-:
أخْرَج الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا
(1) أخرج ذلك كله: البخاري في صحيحه - كتاب أحاديث الأنبياء - باب خلق آدم وذريته - رقم الحديث (3329) - وأخرجه في كتاب مناقب الأنصار - باب (51) - رقم الحديث (3938) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (12057).
(2)
سورة الأحقاف آية (10).
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ (1)، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} (2).
وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ، والحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَةٍ، فَأَصَبْنَا مِنْهَا، فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"يَطْلُعُ رَجُلٌ مِنْ هَذَا الفَجِّ (3) يَكلُ هَذِهِ الْفَضْلةَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ"، فَقَالَ سَعْدٌ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أخِي عُمَيْرًا يَتَطَهَّرُ، فَقُلْتُ: هُوَ أَخِي، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّه بنُ سَلَامٍ فَأَكَلَهَا (4).
(1) قال الحافظ في الفتح (7/ 508): اسُتْشِكَل بأنه صلى الله عليه وسلم قد قال لِجَمَاعة إنهم من أهل الجنة غيرَ عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه، ويبعد أن لا يَطَّلع سَعْدٌ رضي الله عنه على ذلك، وأجيبَ بأنه كره تزكِيَةَ نفسه؛ لأنه أحدُ العَشَرة المبَشَّرة بذلك، وتُعُقَب بأنه لا يستلزم ذلك أن يَنْفِي سماعه مثل ذلك في حق غيره، ويظهر لي في الجواب أنه قال ذلك بعد موتِ المبشرين؛ لأن عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه عاشَ بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غيرُ سعد رضي الله عنه، وسعيد بن زيد رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب مناقب عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه رقم الحديث (3812) - ومسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل عبد اللَّه ابن سلام رضي الله عنه رقم الحديث (2483).
(3)
الفَجُّ: هو الطَّرِيقُ الوَاسِعُ. انظر النهاية (3/ 370).
(4)
أخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة - باب ذكر إثبات الجنة لعبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه رقم الحديث (7164) - وأخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبَّة من خردل من كبر - رقم الحديث (5814) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1458).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، وابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ يَزِيدَ بنِ عُمَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رضي الله عنه المَوْتُ، قِيلَ لَهُ: يَا أبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَوْصِنَا، قَالَ: أَجْلِسُونِي، فَقَالَ: إِنَّ العِلْمَ والإِيمَانَ مَكَانَهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا -يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- فَالْتَمِسُوا العِلْمَ عِنْدَ أرْبَعَةِ رَهْطٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرَ أَبِي الدَّرْدَاءَ، وعِنْدَ سَلْمَانَ الفَارِسِيَّ، وعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ، وعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ الذِي كَانَ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّهُ عَاشِرُ عَشَرَةٍ في الجَنَّةِ"(1).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا في حَلَقَةٍ في مَسْجِدِ المَدِينَةِ، فِيهَا شَيْخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا حَسَنًا، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ القَوْمُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا، قَالَ: قُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَتْبعَنَّهُ فَلَأَعْلَمَنَّ مَكَانَ بَيْتَهُ، قَالَ: فتَبِعْتُهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ المَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ يَا ابْنَ أَخِي؟
قُلْتُ: إنِّي سَمِعْتُ القَوْمَ يَقُولُونَ لَكَ، لَمَّا قُمْتَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا، فأَعْجَبَنِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، قَالَ: اللَّهُ أعْلَمُ
(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (22104) - وابن حبان في صحيحه - كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة - باب ذكر البيان بأن عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه عاشر من يدخل الجنة - رقم الحديث (7165).
بِأَهْلِ الجَنَّةِ (1)، وَسَأُحَدِّثُكَ مِمَّ قَالُوا ذَاكَ، إنِّي بَيْنَمَا أنْا نَائِمٌ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: قُمْ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَإِذَا أنْا بَجَوَادَّ (2) عَنْ شِمَالِي، فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا، فَقَالَ لِي: لَا تَأْخُذْ فِيهَا، فَإِنَّها طُرُقُ أصْحَابِ الشِّمَالِ، قَالَ: فَإِذَا جَوَادٌّ مَنْهَجٌ (3) عَنْ يَمِينِي، قَالَ لِي: خُذْ هَاهُنَا، فَأَتَى بِي جَبَلًا، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ، فَجَعَلْتُ إِذَا أرَدْتُ أَنْ أَصْعَدَ، خَرَرْتُ عَلَى إسْتِي (4) حَتَّى فَعَلْتُهُ مِرَارًا، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى بِي عَمُودًا، رَأْسُهُ في السَّمَاءِ، وأسْفَلُهُ في الأَرْضِ، وَفِي أَعْلَاهُ حَلَقَةٌ، فَقَالَ لِي: اصْعَدْ فَوْقَ هَذَا، فَقُلْتُ: كَيْفَ أصْعَدُ هَذَا، وَرَأْسُهُ في السَّمَاءَ؟ فَأَخَذَ بِيَدِي فزَحَلَ (5) بِي، فَإِذَا أنْتا مُتَعَلِّقٌ بِالحَلَقَةِ، ثُمَّ ضَرَبَ العَمُودَ، فَخَرَّ (6)، وبَقِيتُ مُتَعَلِّقًا بِالحَلَقَةِ حَتَّى أصْبَحْتُ، فَأتيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا الطَّرِيقُ الذِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ، فَهِيَ طَرِيقُ أصْحَابِ الشِّمَالِ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الذِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ، فَهِيَ طَرِيقُ أصْحَابِ اليَمِينِ (7)، وَأَمَّا الجَبَلُ فَهُوَ مَنَازِلُ الشُّهَدَاءَ، وَلَنْ تَنَالَهُ، وأَمَّا العَمُودُ
(1) في رواية النسائي، قال عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه: الجنَّة للَّه يُدْخِلُهَا مَنْ يشاء.
(2)
قال النووي في شرح مسلم (16/ 36): الجَوَادُّ: جمع جَادَّة، وهي الطريق البَيِّنَةُ المَسْلُوكَةُ.
(3)
قال النووي في شرح مسلم (16/ 36): جَوَادٌّ مَنْهَج: أي طرق واضِحَةٌ بَيِّنة مُستقيمة، والنَّهْجُ الطريق المُستقيم.
(4)
إسْتِي: أي مَقْعَدَتِي. انظر لسان العرب (6/ 170).
(5)
يُقال: زَحَل الرجل عن مَقَامه، وتَزَحَّل: إذا زَال عنه. انظر النهاية (2/ 270).
(6)
خَرَّ: إذا سَقَطَ من علو. انظر النهاية (2/ 21).
(7)
في رواية النسائي قال صلى الله عليه وسلم: "أما الطريق التي عرضت عن شمالك، فطرِيق أهل النار، ولستَ من أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك، فطريق أهل الجنة".