الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ، فَقَالُ:"أَسْلِمُوا". فَأَبَوْا، فَقَالَ لَهُمْ:"فَلْيَرْجِعُوا فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ"(1).
*
مُتَابعَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَسِيرَهُ إِلَى أُحُدٍ:
ثُمَّ قَامَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بعْدَ رُجُوعِ المُنَافِقِينَ بِبَقِيَّةِ الجَيْشِ -وَهُمْ سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ- لِيُوَاصِلَ سَيْرَهُ نَحْوَ قُرَيْشٍ، وَكَانَ مُعَسْكَرُ المُشْرِكِينَ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُحُدٍ في مَنَاطِقَ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى القَوْمِ مِنْ كَثَبٍ (2) مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرُّ بِنَا عَلَيْهِمْ؟ ".
فَقَامَ أَبُو حَثَمَةَ الْحَارِثِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ اخْتَارَ طَرِيقًا قَصِيرًا إلى أُحُدٍ، يَمُرُّ بِحَرَّةِ بَنِي حَارِثَةَ وَبِمَزَارِعِهِمْ، حَتَّى مَرَّ بِحَائِطٍ (3) لِمِرْبَعِ بنِ قَيْظِيٍّ، وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ البَصَرِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالجَيْشِ قَامَ يَحْثُو (4) في وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ، وَيَقُولُ: إِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً (5) مِنْ تُرَابٍ في يَدِهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَكَ، فَابْتَدَرَ (6) إِلَيْهِ سَعْدُ بنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِيُّ رضي الله عنه، فَضَرَبَهُ
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب الجهاد - باب لا نستعين بالمشركين على المشركين - رقم الحديث (2610) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (2580).
(2)
الكَثَبُ: القُرْب. انظر النهاية (4/ 132).
(3)
الحائطُ: هو البُسْتان. انظر النهاية (1/ 444).
(4)
حثَا: رَمى. انظر النهاية (1/ 327).
(5)
الحفْنَة: هي ملءُ الكَفِّ. انظر النهاية (1/ 393).
(6)
بدرَتْ إن الشيء: أسرَعَتْ. انظر لسان العرب (1/ 340).
بِالقَوْسِ في رَأْسِهِ فَشَجَّهُ، وَأَرَادَ القَوْمُ قَتْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَا تَقْتُلُوهُ، فهَذَا الأَعْمَى أَعْمَى القَلْبِ، أعْمَى البَصَرِ"(1).
وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ الشِّعْبَ مِنْ أُحُدٍ، في عُدْوَةِ (2) الوَادِي إلى الجَبَلِ، فَعَسْكَرَ بِجَيْشِهِ مُسْتَقْبِلًا المَدِينَةَ، وَجَاعِلًا ظَهْرَهُ إلى جَبَلِ أُحُدٍ، وَجَعَلَ جَبَلَ عَيْنَيْنِ (3) عَنْ يَسَارِهِ، وَعَلَى هَذَا صَارَ جَيْشُ العَدُوِّ فَاصِلًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَبَيْنَ المَدِينَةِ (4).
* تَعْبِئَةُ (5) الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم جَيْشَهُ وَوَصِيَّتُهُ لِلرُّمَاةِ:
وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالَ عَبَّأَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، وَأَخَذَ يُسَوِّي صُفُوفَهُمْ، وَأَمَّرَ رَسولُ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بنَ جُبَيْرِ بنِ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيَّ الأَوْسِيَّ البَدْرِيَّ رضي الله عنه، عَلَى خَمْسِينَ رَامٍ (6)، وَأَمَرَهُمْ بِالتَمَرْكُزِ عَلَى جَبَلٍ صَغِيرٍ يَقَعُ عَلَى الضِّفَّةِ الجَنُوبِيَّةِ مِنْ وَادِي قناةٍ -عُرِفَ فِيمَا بَعْدُ بِجَبَلِ
(1) أخرج ذلك ابن إسحاق في السيرة (3/ 73) بدون سند.
(2)
عُدوَةُ الوادِي بضمِّ العينِ وفتحها: جانبُه. انظر النهاية (3/ 176).
(3)
جبل عينين: هو الجبل الذي أقام عليه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرُّماة يوم أُحد، والمعروف بجبل الرُّماة. انظر النهاية (3/ 3011).
(4)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 73) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 269).
(5)
عبَّأهم: أي رتَّبهم في مواضعهم وهيأهم للحرب. انظر لسان العرب (619).
(6)
أخرج الإِمام البخاري في صحيحه - رقم الحديث (3039) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجَّالة يوم أُحد، وكانوا خمسين رجلًا: عبد اللَّه بن جبير.
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (4043) قال البراء رضي الله عنه: . . . وأجلسَ النبي صلى الله عليه وسلم جَيشًا من الرماة، وأَمَّر عليهم عبد اللَّه.
الرُّمَاةِ- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه: "انْضَحِ (1) الخَيْلَ عَنَّا بِالنَّبْلِ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا، إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا، فَاثْبُتْ مَكَانَكَ، لَا نُؤْتيَنَّ مِنْ قِبَلِكَ"(2).
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلرُّمَاةِ: "احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإنْ رَأَيْتُمُونَا نُقَتَلُ، فَلَا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلَا تَشْرَكُونَا"(3).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى في صَحِيحِ البُخَارِيِّ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلرُّمَاةِ: "إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ (4) فَلَا تَبْرَحُوا (5) مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ، وَأَوْطَأناهُمْ، فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسلَ إِلَيْكُمْ"(6).
أَمَّا بَقِيَّةُ الجَيْشِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَيْمَنَةِ: المُنْذِرَ بنَ عَمْرٍو رضي الله عنه، وَعَلَى المَيْسَرَةِ: الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ رضي الله عنه يُسَانِدُهُ: المِقْدَادُ بنُ عَمْرٍو رضي الله عنه، وَكَان لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنه مَهَمَّةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الصُّمُودُ في وَجْهِ فُرْسَانِ خَالِدِ بنَ الوَليدِ (7).
(1) نَضَحَ: رمى. انظر النهاية (5/ 60).
(2)
انظر سيرة ابن هشام (3/ 74).
(3)
أخرج ذلك الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2609) وإسناده حسن.
(4)
الخَطْفُ: استلابُ الشيءِ وأخذه بسُرعة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"تخطَّفَنا الطيْر": أي تستَلِبَنا وتطِيرَ بِنا، وهو مبالغة الهَلاك. انظر النهاية (2/ 47).
(5)
بَرِحَ: أي زَال. انظر لسان العرب (1/ 364).
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب- رقم الحديث (3039) - وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18593).
(7)
انظر زاد المعاد (3/ 174).