الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْخُذُنِي فَيَجْدَعَ أَنْفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلْتَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَ جُدِعَ أنْفُكَ وَأُذُنُكَ؟ فَأَقُولَ: فِيكَ وَفِي رَسُولكَ، فَيَقُولَ: صَدَقْتَ.
قَالَ سَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه: يَا بَنِيَّ كَانَتْ دَعْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَحْشٍ خَيْرًا مِنْ دَعْوَتِي، لَقَدْ رَأَيْتُهُ آخِرَ النَّهَارِ، وَإِنَّ أُذُنَهُ وَأَنْفَهُ لَمُعَلَّقَاتٍ في خَيْطٍ (1).
هَذِهِ صُورَةٌ لِلرُّجُولَةِ الفَارِعَةِ (2) التِي اصْطَدَمَ بِهَا الكُفْرُ أَوَّلَ المَعْرَكَةِ وَآخِرَهَا، فَمَادَ (3) أَمَامَهَا، وَاضْطَرَبَتْ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِ الأَرْضُ، فَمَا رَبِحَ شَيْئًا في بِدَايَةِ القِتَالِ، وَلَا انتفَعَ بِمَا رَبِحَ آخِرَهُ. . . مَنْ سِرُّ هَذَا الإِلْهَامِ؟ مَنْ مُشْرِقُ هَذَا الضِّيَاءَ؟ مَنْ مُبْعِثُ هَذَا الِاقْتِدَارِ؟ إِنَّهُ مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! إِنَّهُ هُوَ الذِي رَبَّى ذَلِكُمُ الجِيلَ الفَذَّ، وَمِنْ قَلْبِهِ الكَبِيرِ أُتْرِعَتْ (4) هَذِهِ القُلُوبُ تَفَانِيًا في اللَّهِ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَهُ (5).
*
مَقْتَلُ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ رضي الله عنه
-:
وَسَعْدُ بنُ الرَّبِيعِ رضي الله عنه هُوَ الذِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، وَكَانَ رضي الله عنه مِنْ أَغْنِيَاءَ الأَنْصَارِ، وَقِصَّتُهُ مَشْهُورَةٌ في
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك صححه - كتاب الجهاد - باب من سأل اللَّه القتل من عند نفسه - رقم الحديث (2456) - وأورده الحافظ في الفتح (6/ 378) وصحح إسناده.
(2)
الفارعَةُ: العالية. انظر لسان العرب (10/ 238).
(3)
مادَ: زاغَ. انظر لسان العرب (13/ 229).
(4)
ترع: امتلأَ. انظر لسان العرب (2/ 29).
(5)
انظر فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص 263.
تَقْسِيمِ مَالِهِ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ رضي الله عنه وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ-، وَقَدْ قُتِلَ رضي الله عنه يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، وَقَالَ لِي:"إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ كيْفَ تَجِدُكَ؟ ".
قَالَ زَيْدٌ: فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ القَتْلَى، فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ في آخِرِ رَمَقٍ، وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَعْدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْرِئُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ:"أَخْبِرْنِي كيْفَ تَجِدُكَ؟ ".
قَالَ رضي الله عنه: عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُنِي أَجِدُ رِيحَ الجَنَّةِ، وَقُلْ لِقَوْمِيَ الأَنْصَارِ:
لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُخْلَصَ (1) إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيكُمْ شُفْرٌ (2) يَطْرِفُ.
قَالَ زَيْدٌ: وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رحمه الله (3).
(1) يُقال: خلص فلان إلى فلان: أي وصَل إليه. انظر النهاية (2/ 59).
(2)
الشُّفْرُ بالضم، وقد تفتح: حرفُ جَفْنِ العينِ الَّذي ينبتُ عليه الشعر. انظر النهاية (2/ 433).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب شهادة سعد بن الربيع رضي الله عنه رقم الحديث (4958) - والإمام مالك في الموطأ - كتاب الجهاد - باب الترغيب في الجهاد - رقم الحديث (41).