الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُوهُ (1).
*
فَوَائِدُ الحَدِيثِ:
قَالَ الحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ مِنَ الفَوَائِدِ:
1 -
جَوَازُ سُؤَالِ العَالِمِ فِي حَالِ قِيَامِهِ وَمَشْيِهِ إِذَا كَانَ لَا يَثْقُلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
2 -
وَفيهِ أَدَبُ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والعَمَلُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ.
3 -
وَفِيهِ التَّوَقُّفُ عَنِ الجَوَابِ بِالِاجْتِهَادِ لِمَنْ يَتَوَقَّعُ النَّصَّ.
4 -
وفيهِ أَنَّ بَعْضَ المَعْلُومَاتِ قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ حَقِيقَةً.
5 -
وَفيهِ أَنَّ الأَمْرَ يَرِدُ لِغَيْرِ الطَّلَبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (2).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدٍ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَتِ اليَهُودُ: أُوتِينَا عِلْمًا كَثِيرًا، أُوتِينَا التَّوْرَاةَ، وَمَنْ أُوتِيَ التَّوْرَاةَ،
= قالت قريش لليهود: أعطُونَا شيئا نَسْأَل هذا الرجل، فقالوا: سَلُوهُ عن الروح، فسألوه، فأنزل اللَّه تَعَالَى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} .
قال الحافظُ في الفتح (9/ 319): ويُمكِنُ الجمعُ بان يتعدَّد النزول بحمل سكوتهِ في المرة الثانية على توقُّعِ مزيدِ بيَانٍ في ذلك، وإن سَاغَ هذا، وإلا فمَا في الصَّحِيحِ أصَحُّ.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب العلم - باب قوله تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} - رقم الحديث (125) - وأخرجه في كتاب التفسير - باب ويسألونك عن الروح - رقم الحديث (4721) - ومسلم في صحيحه - كتاب صفاتِ المنافقين وأحكامهم - بابُ سُؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح - رقم الحديث (2794).
(2)
انظر فتح الباري (9/ 323).
فَقَدْ أُوْتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ} (1).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: لَوْ كَانَ مَاءُ البَحْرِ مِدَادًا (2) لِلْقَلَمِ الذِي تُكْتَبُ بِهِ كَلِمَاتُ رَبِّي وَحِكَمُهُ وآيَاتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} أيْ لفَرَغَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْ كِتَابَةِ ذَلِكَ {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ} أيْ بِمِثْلِ البَحْرِ آخَرٌ، ثُمَّ آخَرٌ، وَهَلُمَّ جَرًّا، بُحُورٌ تُمِدُّهُ ويُكْتَبُ بِهَا، لَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ (3).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَده، والطَّيَالِسِيُّ في مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ (4) مِنَ اليَهُودِ يَوْمًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا أبَا القَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ (5) نَسْأَلُكَ عَنْهَا، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ (6)، ومَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عليه السلام عَلَى بَنِيهِ، لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ، لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الإِسْلَامِ".
(1) سورة الكهف آية (109) - والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2309) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب العلم - رقم الحديث (99).
(2)
المِدَادُ: هو الحِبْر الذي يُكتب به. انظر لسان العرب (13/ 52).
(3)
انظر تفسير ابن كثير (5/ 204).
(4)
العِصَابَةُ: هم الجَمَاعَةُ من الناس من العَشَرَةِ إلى الأرْبَعين. انظر النهاية (3/ 220).
(5)
الخِلَالُ: الخِصَالُ. انظر لسان العرب (4/ 201).
(6)
الذِّمَّةُ: هي العَهْدُ والضَّمَان. انظر النهاية (2/ 155).
قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ.
قَالَ: "فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ".
قَالُوا: أخْبِرْنَا عَنْ أرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا: أخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الذِي حَرَّمَ إسْرَائِيلُ (1) عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءَ المَرْأَةِ مِنْ مَاءَ الرَّجُلِ، وكَيْفَ يَكُونُ مِنْهُ الذَّكَرُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ مِنْهُ الأُنْثَى حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى، وأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ فِي النَّوْمِ، وَمَنْ وَليُّكَ مِنَ المَلَائِكَةِ؟
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أنا حَدَّثْتُكُمْ لَتبايِعُنِّي؟ "
فَأَعْطَوهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا (2)، وَطَالَ سُقْمُهُ (3)، فنذَرَ للَّهِ نَذْرًا لَئِنْ
(1) إسرائِيلُ: هو يَعْقُوب عليه السلام.
(2)
المرَضُ الذي أصابَ يعقوبَ عليه السلام: هو عِرْقُ النِسَا، فقد أخرج الترمذي في جامعه - كتاب التفسير - باب ومن سورة الرعد - رقم الحديث (3380) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (2483) بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلتْ يَهُود إلى رَسُول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألكَ عن خمسةِ أشياء. . . قالوا: أخبِرْنا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "كَانَ يشتَكِي عِرْقَ النِسَا، فلم يَجِد شيئًا يُلائِمُهُ إلا لحُوم الابل وألبانها، فلذلك حَرَّمها. . . " الحديث.
قال ابن القيم في زاد المعاد (4/ 66): عِرْقُ النِسَا: هو وجَعٌ يبتدِئ من مِفْصَل الوَرْكِ، وينزلُ من خَلْف على الفَخِذِ، وربما على الكَعْبِ، وكلَّما طالت مُدَّتُهُ، زاد نُزُولُهُ، وتَهزُلُ معه الرِجلُ والفَخِذُ.
(3)
السُّقْمُ: المَرَض. انظر النهاية (2/ 342).
شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سُقْمِهِ، لَيُحَرِّمَنَّ أحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أحَبُّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُ الإِبِلِ، وَأَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الإِبِلِ؟ ".
قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ".
قَالَ: "فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظ أَبْيَضُ، وَأَنَّ مَاءَ المَرْأَةِ رَقِيق أصْفَرُ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الوَلَدُ وَالشِّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ المَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإنْ عَلَا مَاءُ المَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ؟ ".
قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ".
قَالَ: "فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الذِي أنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ، وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ "(1).
(1) أخرج الإمام البخاري في صحيحه - رقم الحديث (3569) - ومسلم في صحيحه - رقم الحديث (738)(125) - عن عائشة رضي الله عنها: قالت: قلت: يا رَسُول اللَّهِ أتنَامُ قبلَ أن تُوتِرَ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن عَيْنِي تنامُ ولا يَنَامُ قلبي".
وفي رواية عند البخاري في الصحيح - رقم الحديث (3570) عن أنس رضي الله عنه قال: . . . والنبي صلى الله عليه وسلم نَائِمَة عيناه ولا يَنام قلبه، وكذلك الأنبياء تَنَام أعيُنُهم ولا تَنَام قُلُوبهم.
قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (6/ 19): وهذا من خصائص الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم.