الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالحَصْبَاءَ فِي وُجُوهِ المُشْرِكِينَ فَهَرَبُوا، فَكَانَ الفَتْحُ فِي غَزْوَتَيْنِ، بَدْرٍ وحُنَيْنٍ، وقَاتَلَ بِالمَنْجَنِيقِ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الطَّائِفُ، وتَحَصَّنَ بِالخَنْدَقِ فِي غَزْوَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الأَحْزَابُ، أشَارَ بِهِ عَلَيْهِ سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ رضي الله عنه (1).
*
الإِذْنُ بِالقِتَالِ:
مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينْذِرُ بِالدَّعْوَةِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صَابِرًا هُوَ وأصْحَابُهُ عَلَى كَيْدِ المُشْرِكِينَ وأذَاهُمْ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى الأَذَى، وَالكَفِّ، وَالعَفْوِ، قَالَ تَعَالَى:{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (2)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (3).
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: . . . كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ وأهْلُهَا أخْلَاطٌ مِنْهُمْ المُسْلِمُونَ، والمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الأوْثَانَ، واليَهُودُ، وَكَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابَهُ، فَأَمَرَ اللَّهُ عز وجل نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ والعَفْوِ (4).
وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: . . . وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ المُشْرِكِينَ وأهْلِ الكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ
(1) انظر سبل الهدى والرشاد (4/ 9).
(2)
سورة الحجر آية (94).
(3)
سورة البقرة آية (109).
(4)
أخرجه أبو داود في سننه - كتاب الخراج والإمارة والفئ - باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة - رقم الحديث (3000).
اللَّهُ، ويَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، قَالَ تَعَالَى:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (1)، وَقَالَ تَعَالَى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (2).
وكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يتأَوَّلُ العَفْوَ مَا أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ -أي فِي القِتَالِ- (3).
فَلَمَّا قَوِيتْ شَوْكَةُ المُسْلِمِينَ واشْتَدَّ سَاعِدُهُمْ بِإِسْلَامِ الأَنْصارِ، أنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الإِذْنَ بِالقِتَالِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ.
أَخْرَجَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ، والنَّسَائيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ رضي الله عنه وأَصْحَابًا له أَتَوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا فِي عِزٍّ ونَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"إنِّي أُمِرْتُ بِالعَفْوِ، فَلَا تُقَاتِلُوا"، فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّهُ إِلَى المَدِينَةِ، أُمِرَ بِالقِتَالِ (4).
(1) سورة آل عمران آية (186).
(2)
سورة البقرة آية (109).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب التفسير - باب: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} - رقم الحديث (4566).
(4)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب الجهاد - رقم الحديث (2424)، وقال الحاكم: =
قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ بَيْعَةِ العَقَبَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الحَرْبِ، وَلَمْ تُحَلَّلْ لَهُ الدِّمَاءُ، إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالدّعَاءَ إِلَى اللَّهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الأَذَى، وَالصَّفْحِ عَنِ الجَاهِلِ، وكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدِ اضْطَهَدَتْ مَنِ اتَّبعَهُ مِنَ المُهَاجِرِينَ حَتَّى فتَنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، ونَفَوْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَهُمْ مِنْ مَفْتُونٍ فِي دِينِهِ، وَمِنْ مُعَذَّب في أيْدِيهِمْ، وبَيْنَ هَارِبٍ فِي البِلَادِ فِرَارًا مِنْهُمْ، مِنْهُمْ مَنْ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، ومِنْهُمْ مَنْ بِالمَدِينَةِ، وفِي كُلِّ وَجْهٍ.
فَلَمَّا عَتَتْ قُرَيْشٌ عَلَى اللَّهِ عز وجل، ورَدُّوا عَلَيْهِ مَا أرَادَهُمْ بِهِ مِنَ الكَرَامَةِ، وكَذَّبُوا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، وعَذَّبُوا ونَفَوْا مَنْ عَبَدَهُ وَوَحَّدَهُ، وصَدَّقَ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، واعْتَصَمَ بِدِينِهِ، أَذِنَ اللَّهُ عز وجل لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي القِتَالِ، والِانْتِصَارِ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَبَغَى عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي إِذْنِهِ لِهُ فِي الحَرْبِ، وإحْلَالِهِ لَهُ الدِّمَاءَ، والقِتَالَ، لِمَنْ بَغَى عَلَيْهِمْ، قَوْله تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ (1)
= هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي - وأخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب الجهاد - باب وجوب الجهاد - رقم الحديث (4279).
(1)
الصَّوْمَعَةُ: هي المَعَابِدُ الصغار للرُّهْبَانِ، وهي للنَّصارى. انظر تفسير ابن كثير (5/ 435).
وَبِيَعٌ (1) وَصَلَوَاتٌ (2) وَمَسَاجِدُ (3) يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (4).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَاتِ: وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الجِهَادَ، فِي الوَقْتِ الأَلْيَقِ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا بِمَكَّةَ كَانَ المُشْرِكُونَ أكْثَرَ عَدَدًا، فَلَوْ أَمَرَ المُسْلِمِينَ، وهُمْ أَقَلُّ مِنَ العُشْرِ، بِقِتَالِ البَاقِين لَشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ يَثْرِبَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكَانُوا نَيِّفًا (5) وثَمَانِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ألَا نَمِيلُ عَلَى أَهْلِ الوَادِي -يَعْنُونَ أَهْلَ مِنَى- لَيَالِيَ مِنَى فَنَقْتُلَهُمْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِهَذَا"(6).
(1) البِيَع: هي أوسَعُ من الصَّوْمَعَةِ، وأكثر عابدينَ فيها، وهي للنصارى أيضًا. انظر تفسير ابن كثير (5/ 435).
(2)
الصَلَوَات: كَنَائِسُ اليهود. انظر تفسير ابن كثير (5/ 435).
(3)
المَسَاجد: هي للمسلمين. انظر تفسير ابن كثير (5/ 435).
(4)
سورة الحج آية (39 - 41) - والخبر في سيرة ابن هشام (2/ 80 - 81).
(5)
يقال: نافَ الشيء ينوف: إذا طال وارتفع، ونيِّفب على السبعين في العمر: إذا زاد. انظر النهاية (5/ 124).
(6)
تقدَّم الكلامُ بالتفصيل على بَيْعَةِ العَقَبَةِ الثانية فراجعه.
فَلَمَّا بَغَى المُشْرِكُونَ، وأَخْرَجُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أظْهُرِهِمْ، وهَمُّوا بِقَتْلِهِ، وشَرَّدُوا أصْحَابَهُ شَذَرَ مَذَرَ (1)، فَذَهَبَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ إِلَى الحَبَشَةِ، وآخَرُونَ إِلَى المَدِينَةِ، فَلَمَّا اسْتَقَرُّوا بِالمَدِينَةِ، وَوَافَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، واجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وقَامُوا بِنَصْرِهِ، وَصَارَتْ لَهُمْ دَارَ إسْلَامٍ، وَمَعْقِلًا يَلْجَؤُونَ إِلَيْهِ -شَرَعَ- اللَّهُ جِهَادَ الأَعْدَاءِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ أوَّلَ مَا نَزَل فِي ذَلِكَ:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} (2).
أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيجهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ، قال أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إنَّا للَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيَهْلِكُنَّ، فنَزَلَتْ:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (3).
قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَتَكُونُ قِتَال. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أوَّلُ آيَة نَزَلَتْ فِي القِتَالِ (4).
(1) شَذَرَ مَذَرَ: أي فَرَّقَهُ وبدَّدَهُ في كل وجه. انظر النهاية (2/ 407).
(2)
انظر تفسير ابن كثير (5/ 434).
(3)
سورة الحج آية (39).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1865) - وابن حبان في صحيحه - كتاب السير - باب فرض الجهاد - رقم الحديث (4710) - والترمذي في جامعه - كتاب =
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ في السُّنَنِ الكُبْرَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ في القِتَالِ كَمَا أخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1).
فَكَانَ هَذَا الإِذْنُ بِالقِتَالِ لِإِزَالَةِ البَاطِلِ وَدَحْرِ (2) بَغْيِ وَظُلْمِ قُرَيْشٍ عَنِ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ الإِذْنِ بِقِتَالِ المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا سَيَأْتِي، وَكَانَ مِنَ الحِكْمَةِ إزَاءَ هَذِهِ الظُّرُوفِ -التِي مَبْعَثُهَا الوَحِيدُ هُوَ قُوَّةُ قُرَيْشٍ وَتَمَرُّدُهَا-، أَنْ يبسُطَ المُسْلِمُونَ سَيْطَرَتَهُمْ عَنْ طَرِيقِ قُرَيْش التِّجَارِيِّ المُؤَدِّيةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ، واخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبَسْطِ هَذِهِ السَّيْطَرَةِ خُطَّتَيْنِ:
الأُولَى: إرْسَالُ البُعُوثِ والسَّرَايَا، واحِدَةً تِلْوَ الأُخْرَى لِمُهَاجَمَةِ قَوَافِلِ قُرَيْشٍ.
الثَّانِيَةُ: السَّعْيُ إِلَى عَزْلِ قُرَيْشٍ بِالدُّخُولِ فِي مُعَاهَدَاتٍ دِفَاعِيَّةٍ، وعَدَمِ اعْتِدَاءً مَعَ القَبَائِلِ المُحِيطَةِ بِالمَدِينَةِ، وَالتِي تَخْتَرِقُ قَوَافِلُ قُرَيْشٍ أرَاضِيهَا، وَهِيَ فِي طَرِيقِهَا إِلَى الشَّامِ، وَقَدْ عُقِدَتْ مُعَاهَدَاتٌ أثْنَاءَ دَوْرِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم العَسْكَرِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (3).
= التفسير - باب ومن سورة الحج - رقم الحديث (3444).
(1)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب التفسير - باب سورة الحج - رقم الحديث (11283) وأورده الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في الفتح (5/ 8) وصحح إسناده.
(2)
الدَّحْرُ: هو الدَّفْعُ بعُنْفب على سبيل الإهانَةِ والإذْلالِ. انظر النهاية (2/ 97).
(3)
انظر الرحيق المختوم ص 196.
السَّرَايَا (1) والغَزَوَاتُ (2) قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكبْرَى سَرِيَّةُ سِيْفِ البَحْر (3)
وكَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ في رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الأُولَى لِلْهِجْرَةِ، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرِهِ صلى الله عليه وسلم (4)، وكَانَتْ بِقِيَادَةِ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه في ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ المُهَاجِرِينَ (5)، وعَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءً أبْيَضَ، وَهُوَ أَوَّلُ لِوَاءٍ (6) عُقِدَ فِي الإِسْلَامِ، وحَمَلَهُ أَبُو مِرْثَدٍ كَنَّازُ بنُ الحُصَيْنِ الغَنَوِيُّ رضي الله عنه.
(1) السَرِيَّة: هي طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تُبعث إلى العدو، وجمعها السَّرَايا، سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يكونونَ خلاصَةَ العسكر وخِيَارهم، من الشيء السّري النَّفِيس، وقيل: سُمُّوا بذلك، لأنهم يَنْفُذُون سِرًّا وخُفْيَة. انظر النهاية (2/ 326).
(2)
الغَزْوُ: هو السيرُ إلى قِتَالِ العَدُوِّ. انظر لسان العرب (10/ 67).
قلتُ: جَرَتْ عادةُ المحدثين وأهلُ السير والمغازِي أن يُسمُّوا كل عسكم حضَرَهُ الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه الشَّريفة غزوة، وما لم يَحْضُرْه، بل أرسل بَعضًا من أصحابه إلى العدو سَرِية وبَعْثًا.
(3)
سِيفُ البَحْرِ: بكسر السين أي سَاحله. انظر النهاية (2/ 390).
(4)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 1).
(5)
قال ابن سعد في طبقاته (2/ 1): لم يبعث رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحدًا من الأنصار مبعثًا حتى غزا بدرًا، وذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونَه في دارِهم، وهذا الثَّبت عندنا.
(6)
ذكر ابن سعد في طبقاته (2/ 1): أن أول لِوَاءً عَقَده الرسول صلى الله عليه وسلم كان لِحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.=
وخَرَجَ حَمْزَةُ رضي الله عنه، والهَدَفُ اعْتِرَاضُ عِيرٍ (1) لِقُرَيْشٍ جَاءَتْ مِنَ الشَّامِ تُرِيدُ مَكَّةَ، وفِيهَا أَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فبلَغُوا سِيفَ البَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ العِيصِ (2)، فَالْتَقَوْا حَتَّى اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، فَمَشَى مَجْدِيُّ بنُ عَمْرٍو الجُهَنِيُّ، وكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ (3) جَمِيعًا، إِلَى هَؤُلَاءَ وَإِلَى هَؤُلَاءِ، حَتَّى حَجَزَ (4) بَيْنَهُمْ، وَلَمْ يَقْتَتِلُوا، فتَوَجَّهَ أَبُو جَهْلٍ فِي أَصْحَابِهِ وَعِيرِهِ إِلَى مَكَّةَ، وانْصَرَفَ حَمْزَةُ رضي الله عنه وأصْحَابُهُ إِلَى المَدِينَةِ (5).
* * *
= وقال ابن إسحاق في السيرة (2/ 207): وكانت رَايَةَ عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أول رَايَةٍ عقدها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
قال الحافظ في الإصابة (4/ 353): ويمكنُ الجمعُ على رأيِ من يُغَايِرُ بينَ الرَّاية واللِّوَاء، واللَّه أعلم.
(1)
العِيرُ: هي الإبل بأحمالها. انظر النهاية (3/ 297).
(2)
العِيصُ: اسم موضِع قرب المدينة على ساحل البحر. انظر النهاية (3/ 297).
(3)
قلتُ: يفهم من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد عَقَدَ حِلْفًا مع جُهَيْنَةَ في وقت مُبَكِّرٍ من قدومه المدينة، ويُسْتَأْنَسُ بما أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (1539) بسند ضعيف عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: لما قَدِمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جُهَيْنَةُ، فقالوا: إنك قد نزلتَ بين أظهُرِنَا، فأوْثِقْ لنا حتى نَأتِيكَ وتَؤُمَّنَا، فأوثَقَ لهم، فاسْلَمُوا.
(4)
الحَجْزُ: الفصلُ بين الشَّيئين. انظر لسان العرب (3/ 61).
(5)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 207) - الطبقات لابن سعد (2/ 201).