الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الطَّرِيقِ، وَخَرَجَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ، وَفِيهَا مَالٌ كَثِيرٌ، وَفِضَّةٌ كَثِيرَةٌ وَزْنَ ثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، يَقُودُهَا صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ، وَقِيلَ أَبُو سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، فَسَلَكَ بِهِمْ فُرَاتُ بنُ حَيَّانَ عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ طَرِيقِ العِرَاقِ.
وَقَدْ بَلَغَتِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَنْبَاءُ هَذِهِ العِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّ نُعَيْمَ (1) بنَ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيَّ قَدِمَ المَدِينَةَ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فنَزَلَ عَلَى كِنَانَةِ بنِ أَبِي الحُقَيْقِ في بَنِي النَّضِيرِ، فَشَرِبَ مَعَهُ الخَمْرَ، وَعِنْدَهُ سَلِيطُ بنُ النُّعْمَانِ -وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ- وَلَمْ تُحَرَّمِ الخَمْرُ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَخَذَتِ الخَمْرُ مِنْ نُعَيْمٍ تَحَدَّثَ بِالتَّفْصِيلِ عَنْ أَمْرِ العِيرِ وَخُطَّةِ سَيْرِهَا، فَخَرَجَ سَلِيط مِنْ سَاعَتِهِ مُسْرِعًا إلى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِمْ.
*
خُرُوجُ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه
-:
فَبعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ رضي الله عنه، في مِائَةِ رَاكِبٍ يَعْتَرِضُ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَلَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ يُقَالُ لَهُ: القَرَدَةُ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا كُلَّهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ صَفْوَانَ بنِ أُمَيَّةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ حَرَسِ القَافِلَةِ إِلَّا الفِرَارُ بِدُونِ أَيِّ مُقَاوَمَةٍ.
*
أَسْرُ دَلِيلِ القَافِلَةِ وَإِسْلَامُهُ:
وَأَسَرَ المُسْلِمُونَ دَلِيلَ القَافِلَةِ فُرَاتَ بنَ حَيَّانٍ، فَقَدِمُوا بِهِ، وَبِالعِيرِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرُّوا بِهِ بِحَلَقَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ فُرَات: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَالُوا:
(1) أسلم نُعَيْمُ بن مسعود رضي الله عنه يوم الخندَقِ، وحَسُن إسلامه، وهو الذي أوقع الخلاف بين بني قُرَيْظَةَ، وغطفَان، وقريش يوم الخندق.
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلُهُمْ إلى إِيمَانِهِمْ، مِنْهُمْ: فُرَاتُ بنُ حَيَّانَ"(1).
وَلَمَّا أَسْلَمَ فُرَاتٌ رضي الله عنه حَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَفَقُهَ في الدِّينِ، وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى أَنْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْتَقَلَ إلى مَكَّةَ فنَزَلَهَا.
وَقَسَمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ هَذه السَّرِيَّةِ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ، بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الخُمُسَ (2).
وَكَانَتْ مَأْسَاةً شَدِيدَةً، وَنَكْبَةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ قُرَيْشًا بَعْدَ بَدْرٍ، اشْتَدَّ لَهَا قَلَقُ قُرَيْشٍ، وَزَادَتْهَا هَمًّا وَحُزْنًا، وَلَمْ تبقَ أَمَامَهَا إِلَّا طَرِيقَانِ، إِمَّا أَنْ تَمْتَنِعَ عَنْ غَطْرَسَتِهَا وَكِبْرِيائِهَا، وَتَأْخُذَ طَرِيقَ المُوَادَعَةِ وَالمُصَالَحَةِ مَعَ المُسْلِمِينَ، أَوْ تَقُومَ بِحَرْبٍ شَامِلَةٍ تُعِيدُ لَهَا مَجْدَهَا التَّلِيدَ وَعِزَّهَا القَدِيمَ، وَتَقْضِي عَلَى قُوَّاتِ المُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَا تبقَى لَهُمْ سَيْطَرَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا ذَاكَ، وَقَدْ اخْتَارَتْ مَكَّةُ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ، فَازْدَادَ إِصْرَارُها عَلَى المُطَالَبَةِ بِالثَّأْرِ، وَالتَّهَيُّؤِ لِلِقَاءِ المُسْلِمِينَ في تَعْبِئَةٍ كَامِلَةٍ، وَتَصْمِيمُهَا عَلَى الغَزْوِ في دِيَارِهِمْ، فكان ذَلِكَ وَمَا سَبَقَ مِنْ أَحْدَاثٍ التَمْهِيدَ القَوِيِّ لِمَعْرَكَةِ أُحُدٍ (3).
(1) أخرج هذا الحديث الإِمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (18965) - وأبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في الجاسوس الذمي - رقم الحديث (2652) - والحاكم في المستدرك - كتاب الجهاد - باب نهى التفريق في المنزل إذا نزلوا - رقم الحديث (2588) - وإسناده صحيح.
(2)
انظر خبر هذه السرية في: سيرة ابن هشام (3/ 56) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 267) - البداية والنهاية (4/ 378) - شرح المواهب (2/ 384).
(3)
انظر الرحيق المختوم ص 247.