الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ ويَنَامُ بِالإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى العِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ (1) مَعَ أهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2).
*
مَكَانَةُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَشَيْءٌ مِنْ فَضَائِلِهَا:
قَالَ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ بِنْتُ الإِمَامِ الصِّدِّيقِ الأَكْبَرِ، خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّه بنِ أَبِي قُحَافَةَ القُرَشِيَّةُ التَّيْمِيَّةُ، المَكِّيَّةُ، النَّبَوِيَّةُ، أُمُّ المُؤْمِنِينَ، زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أفْقَهُ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى الإِطْلَاقِ.
رَوَتْ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عِلْمًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وعَنْ أَبِيهَا، وعَنْ عُمَرَ، وفَاطِمَةَ، وسَعْدٍ.
وهِيَ رضي الله عنها مِمَّنْ وُلِدَ فِي الإِسْلَامِ، وهِيَ أصْغَرُ مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بثَمَاني سِنِينَ، وكَانَتْ تَقُولُ: لَمْ أَعْقِلْ أبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ (3).
(1) السَّمَرُ: هم القوم الذين يسمَرُون بالليل أي يتحَدَّثون. انظر النهاية (2/ 359).
(2)
سورة الأحزاب آية (21) - وانظر كلام الحافظ ابن كثير رحمه اللَّه تعالى في تفسيره (2/ 242).
(3)
أخرج هذا الحديث البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3905)، وقد مَرَّ هذا الحديث في الكلام عن الهجرة فراجعه هناك، وتم شرحه مُسْتوفى.
وَكَانَتْ امْرَاَةً بَيْضَاءَ جَمِيلَةً، ومِنْ ثَمَّ يُقَالُ لَهَا: الحُمَيْرَاءُ (1)، وَلَمْ يتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكْرًا غَيْرَهَا، وَلَا أحَبَّ امْرَأَةً حُبَّهَا، وَلَا أعْلَمُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، بَلْ وَلَا فِي النِّسَاءِ مُطْلَقًا، امْرَأَةً أَعْلَمَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ لِلصِّدِّيقَةِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها شَأْوٌ (2) لَا يُلْحَقُ، وأنا وَاقِفٌ فِي أَيِّتِهِمَا أفْضَلُ، نَعَمْ جَزَمْتُ بِأَفْضَلِيَّةِ خَدِيجَةَ عَلَيْهَا لِأُمُورٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهَا (3).
وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِي الطَّنْطَاوِي: هَذِهِ السَّيِّدَةُ لَمْ تَتَخَرَّجْ فِي الجَامِعَةِ، لَمْ تَكُنْ فِي أيَّامِهَا الجَامِعَاتُ، ولَكِنَّهَا كَانَتْ، وَلَا تَزَالُ كَمَا كَانَتْ تُدَرَّسُ آثارُهَا فِي كُلِيَّةِ الآدَابِ، وَتُقْرَأُ فتَاوَاهَا فِي كُلِّيَّاتِ الدِّينِ، . . . امْرَأَةٌ مَلَأَتِ الدُّنْيَا، وَشَغَلَتِ النَّاسَ، عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ.
ذَلِكَ لِأَنَّهُ أُتِيحَ لَهَا مَا لَمْ يُتَحْ لِأَحَدٍ، فَلَقَدْ تَوَلَّاهَا فِي طفولَتِهَا، شَيْخُ المُسْلِمِينَ وأفْضَلُهُمْ، أبُوهَا الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، ورَعَاهَا فِي شَبَابِهَا خَاتَمُ الرُّسُلِ، وأكْرَمُ البَشَرِ زَوْجُهَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فَجَمَعَتْ مِنَ العِلْمِ والفَضْلِ والبَيَانِ مَا لَمْ تَجْمَعْ مِثْلَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى.
(1) أخرج الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (292) - والنسائي في السنن الكبرى - رقم الحديث (8902) بسند صحيح عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشةُ المسجد يَلْعَبون، فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يا حُمَيْرَاء أتحِبِّين أن تَنْظُري اليهم؟ . . . " الحديث - وأورده الحافظ في الفتح (3/ 118) وصحح إسناده، وقال: ولم أرَ في حديث صحيح ذكر الحُمَيْراء إلا في هذا.
(2)
الشَّأْو: هو الشَّوْطُ والمَدَى. انظر النهاية (2/ 392).
(3)
انظر سير أعلام النبلاء (2/ 135).
كَانَتِ امْرَأةً كَامِلَةَ الأُنُوثَةِ، تُؤْنِسُ الزَّوْجَ، وتُرْضي العَشِيرَ، وكَانَتْ عَالِمَةً، وَاسِعَةَ العِلْمِ، تُعَلِّمُ العُلَمَاءَ، وتُفْتِي المُفْتِينَ، وَكَانَتْ بَلِيغَةً، بَارِعَةَ البَيَانِ، تبُذُّ (1) الخُطَبَاءَ، وتُزْرِي بِاللُّسُنِ المَقَاوِيلَ، وكَانَتْ لِقُوَّةِ شَخْصِيَّتهَا، زَعِيمَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي العِلْمِ، وفي المُجْتَمَعِ، وفي السِّيَاسَةِ، وفي الحَرْبِ (2).
أخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "عَائِشَةُ"، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ (3)؟ قَالَ: "أبوهَا"، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ"، فَعَدَّ رِجَالًا (4).
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنِ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَوْ جُمعَ عِلْمُ النَّاسِ كُلُّهُمْ ثُمَّ عِلْمُ أزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكَانَتْ عَائِشَةُ أوْسَعَهُمْ عِلْمًا (5).
(1) بَذَّ القائلين: أي سَبَقهم وغلبهم. انظر لسان العرب (1/ 351).
(2)
انظر كتاب رجال من التاريخ للشيخ علي الطنطاوي رحمه اللَّه تعالى ص 31.
(3)
في رِواية ابن حبان في صحيحه بسند صحيح على شرط الشيخين - رقم الحديث (7106) قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إني لسْتُ أعْنِي النِّسَاء، إنما أعني الرجال.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"لو كنتُ مُتَّخِذًا خليلًا. . . " - رقم الحديث (3662) - وكتاب المغازي - باب غزوة ذات السلاسل - رقم الحديث (4358) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي بكر الصديق - رقم الحديث (2384).
(5)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب ذكر سعة علم عائشة - رقم الحديث (6794).
وأخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ والتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُوسَى بنِ طَلْحَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أفْصَحَ (1) مِنْ عَائِشَةَ (2).
وأخْرَجَ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ في جَامِعِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: مَا أَشْكَلَ (3) عَلَيْنَا أصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلَّا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا (4).
وأخْرَجَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقِ بنِ الأجْدَعِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ كَانَتْ عَائِشَةُ تُحْسِنُ الفَرَائِضَ؟ قَالَ: إِي وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ مَشْيَخَةَ أصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهَا عَنِ الفَرَائِضِ (5).
وأخرَجَ الحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: فَرَضَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه لِأُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَزَادَ عَائِشَةَ رَضِيَ
(1) الفَصِيح في اللغة: المُنْطَلِقُ اللسان في القَوْل، الذي يَعْرِف جيد الكلام من رَدِيئِهِ. انظر النهاية (3/ 403).
(2)
أخرجه الإِمام أحمد في فضائل الصحابة - رقم الحديث (1646) - والترمذي في جامعة- كتاب المناقب - باب فضل عائشة رضي الله عنها رقم الحديث (3222).
(3)
أشْكَلَ عَلَيَّ الأمرُ: إذا اخْتَلَطَ. انظر لسان العرب (7/ 176).
(4)
أخرجه الترمذي في جامعة - كتاب المناقب - باب فضل عائشة رضي الله عنها رقم الحديث (3221) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (6681).
(5)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب معرفة الصحابة - باب سَعَة عِلْمِ عائشة وفَصَاحَةِ كلامِهَا - رقم الحديث (6796).