الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تَبْشِيرُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِرَدِّهِ إِلَى مَكَّةَ:
وَلقدْ بَشَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأنَّهُ سَيُرْجِعُهُ إِلَى مَكَّةَ مُنْتَصِرًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (1).
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ، قَالَ: إِلَى مَكَّةَ (2).
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةَ: خَتَمَ اللَّهُ السُّورَةَ (3) ببشَارَةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِرَدِّهِ إِلَى مَكَّةَ قَاهِرًا لِأَعْدَائِهِ (4).
*
إِذْ هُمَا فِي الغَارِ:
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ فِي الحَدِيثِ الطَّوِيلِ -حَدِيثِ الهِجْرِةِ-: . . . ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فكَمَنَا (5). . . . .
(1) سورة القصص آية (85).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب التفسير - باب {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} رقم الحديث - (4773).
(3)
أي سورة القصص.
(4)
انظر تفسير القرطبي (16/ 329).
(5)
قال الحافظ في الفتح (7/ 645): فكَمَنَا: بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختَفَيَا.
فِيهِ (1) ثَلَاثَ ليَالٍ (2).
فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِيَ (3) لَكَ الغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَاهُ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِي الجُحْرَ الذِي فِيهِ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِيَ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فنَزَلَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي الغَارِ (4).
(1) في رواية ابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (6279) قالت عائشة رضي الله عنها: فركِبَا حتَّى أَتَيَا الغارَ وهو ثَوْرٌ، فتوَارَيَا فيه.
قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه رجال من التاريخ ص 28: هاجر صلى الله عليه وسلم مُخَتَفيًا مع صَفِيِّه وخليلهِ شيخِ المسلمين أبي بكر رضي الله عنه، لم يخْتَفِ صلى الله عليه وسلم من ضَعْفٍ ولا جُبْنٍ، ولكنه كان كالقائدِ المُسَافر ليُدِيرَ المعركةَ الكبرى، فهل يُظْهِرُ نفسهُ ويقِفُ على الطريق، ليُحَارِبَ فصِيلةً لَحِقَتْ بهِ، فيَظْفَرَ عليها، ويُعَطِّلَ المعركة الكبرى؟
إنها تنتظرُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معارك أكبر، تنَتِظُره بدرٌ، والفتحُ، وهوازِن، والقادِسِيَّة، واليرمُوك، وجبلُ طَارق، ومعاركُ الفتح الإسلامي، التي امتدَّت من بعده، سلسِلَة مُظَفّرة خيِّرة، نثرَتْ شُهَداء الحقِّ فِي كل أرض، ونصَبَتْ رايةَ العدلِ على كل جبل، وأضاءت بالإسلام القُلُوب والبلادَ فِي كل مكانٍ، وتنتظرُه صلى الله عليه وسلم المعركة مع الجَهْلِ والفَقْرِ والظلم والفُسُوقِ، وسائرِ الأوضاعِ الخلقيَّة التي جاء ليُطَهِّر المجتمع البشري من آثارِها.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3905).
(3)
أستَبْرِي: أي أختَبِرَهُ وأنظُرَ هل فيهِ أحدٌ أو شيءٌ يُؤْذِي. انظر النهاية (2/ 301).
(4)
أخرج ذلك: البيهقي فِي دلائل النبوة (2/ 476) بإسناد مرسل؛ لأنه موقُوفٌ على ابن سِيرِين - وابن سيرين لم يُدْرِك عمر - وأخرجه الحاكم في المستدرك - رقم الحديث (4327) - وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه - ولم يخرجاه - ووافقه الذهبي في تلخيصه.