الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُبْزٍ إِلَّا نَاوَلَنِي إِيَّاهَا، قَالَ: فَأَسْتَحْيِي، فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا (1).
*
مَوْقِفٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، رضي الله عنها:
وَقَدْ دُهِشَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ رضي الله عنها لَمَّا رَأَتْ سُهَيْلَ بنَ عَمْرٍو وَيَدَاهُ مَعْقُودَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ فَقَالَتْ: أَبَا يَزِيدَ، أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتُّمْ كِرَامًا! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ؟ ".
فَقَالَتْ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا مَلَكْتُ حِينَ رَأَيْتُ أبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبلٍ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ (2).
*
اسْتِشَارَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ فِي شَأْنِ الأَسْرَى:
ثُمَّ أخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَشِيرُ أصْحَابَهُ فِي الأَسْرَى، فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: . . . فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
(1) أخرج ذلك الطبراني في الصغير والكبير كما في المجمع (6/ 86)، وقال الهيثمي: إسناده حسن - وأخرجه ابن إسحاق في السيرة (2/ 256).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب المغازي والسرايا - باب مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر - رقم الحديث (4361) - وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي - وأخرجه أبو داود في سننه - كتاب الجهاد - باب في الأسير يوثق - رقم الحديث (2680) - وأورده ابن الأثير في جامع الأصول - رقم الحديث (6040) - وإسناده حسن.
عَنْهُمَا: "مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! هُمْ بَنُو العَمِّ وَالعَشِيرَةُ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَى يَا ابْنَ الخَطَّابِ؟ ".
فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَرَى الذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فنَضْرِبَ أعْنَاقَهُمْ، فتمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنقهُ، وَتُمَكِنِّي مِنْ فُلَانٍ -نَسِيبًا لِعُمَرَ- فَأَضْرِبَ عنقه، حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ (1) لِلْمُشْرِكِينَ، هَؤُلَاءِ صَنَادِيدُهُمْ (2) وَأَئِمَّتُهُمْ وَقَادَتُهُمْ.
فهَوِيَ (3) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَلَمْ يَهْوَ مَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الفِدَاءَ.
قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يبكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَباكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الفِدَاءَ، لَقَدْ
(1) الهَوَادة: هي السُّكون والرُّخصَة والمُحَاباة. انظر النهاية (5/ 242).
(2)
صَنَادِيدُهُم: أي أشرافهم، وعُظَماؤهم، ورُؤَساؤهم، الواحد: صِنْدِيد بكسر الصاد. انظر النهاية (3/ 51).
(3)
قال الإمام النووي في شرح مسلم (12/ 74): فَهَوِي: بكسر الواو أي أحَبَّ ذلك واستحسنه.
عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ" -شَجَرَةً قَرِيبَةً مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ (1) فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ (2) لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} "(3).
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: "كَادَ أَنْ يُصِيبَنَا
(1) الإثْخَانُ في الشيء: المبَالغة فيه والإكثار منه، والمراد به هاهنا المبالغة في قتل الكفار. انظر النهاية (1/ 203).
(2)
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ في تفسيره (4/ 90): والمراد بالكتاب الذي سبق إحلال الغنائم لهذه الأمة، وقد روي ذلك عن أبي هريرة، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، وعطاء، والحسن البصري، وقتادة، والأعمش، وهو اختيار ابن جرير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، ويستشهد لهذا القول ما رواه البخاري - رقم الحديث (335) - ومسلم - رقم الحديث (521) في صحيحيهما عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعطيت خمسًا، لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نُصِرْتُ بالرعْبِ مَسِيرة شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا، وأُحِلَّت لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قبلي، وأُعْطِيتُ الشفاعة، وكان النَّبيُّ يبعَثُ إلى قومهِ خَاصَّةً وبُعثتُ إلى النَّاس عامة".
(3)
سورة الأنفال (67 - 96) - وأخرج قصة استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالأسرى:
الإمام مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر - رقم الحديث (1763) - والإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (208)(13555) - وابن حبان في صحيحه - كتاب السير - باب غزوة بدر - رقم الحديث (4793) - والحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - باب شأن نزول قوله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} - رقم الحديث (3323) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (3309).
فِي خِلَافِكَ بَلَاءٌ" (1).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَنَا الغَنَائِمَ، رَحْمَةً رَحِمَنَا بِهَا، وَتَخْفِيفًا خَفَّفَهُ عَنَّا لِمَا عَلِمَ مِنْ ضَعْفِنَا"(2).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ اخْتِصَاصُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِحِلِّ الغَنِيمَةِ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَفِيهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمُ الغَنِيمَةَ، وَقَدْ ثبتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، لَكِنْ وَقَعَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ خُمِّسَتْ غَنِيمَةُ السَّرِيَّةِ التِي خَرَجَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ جَحْشٍ رضي الله عنه، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْر بِشَهْرَيْنِ، وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بِمَا ذَكَرَ ابنُ سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِهِ (3): أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ غَنِيمَةَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ بَدْرٍ (4).
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه - كتاب التفسير - باب شأن نزول قوله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} - رقم الحديث (3323).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب فرض الخمس - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحلت لكم الغَنَائم" - رقم الحديث (3124) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة - رقم الحديث (1747) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب السير - باب ذكر تحليل اللَّه جل وعلا الغنائم لأمة المصطفى صلى الله عليه وسلم رقم الحديث (4807) - وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (1071) - والإمام أحمد في المسند - رقم الحديث (8200).
(3)
انظر الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (1/ 254).
(4)
انظر فتح الباري (6/ 349).