الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ صِيَامِهِمْ هَذَا اليَوْمِ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى مِنْ فِرْعَونَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"نَحْنُ أحَقُّ بِمُوسَى عليه السلام مِنْكُمْ" فَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ "
قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إسْرَائيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى (1)، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:"فَأَنَا أحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ (2).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ظَاهِرُ الخَبَرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَإِنَّمَا قَدِمَ المَدِينَةَ في رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ المُرَادَ أَنَّ أوَّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَسُؤَالِهِ عَنْهُ كَانَ بَعْدَ
(1) زاد مسلم في روايته: شُكْرًا للَّه تَعَالَى فنحنُ نَصُومُه.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء - رقم الحديث (2004) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء - رقم الحديث (1130).
أَنْ قَدِمَ المَدِينَةَ لَا أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَهَا عَلِمَ ذَلِكَ، وغَايَتُهُ أَنَّ في الكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَأَقَامَ عَاشُورَاءَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ فِيهِ صِيَامًا، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ اليَهُودُ كَانُوا يَحْسِبُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، بِحِسَابِ السِّنِينِ الشَّمْسِيَّةِ فَصَادَفَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِحِسَابِهِمْ اليَوْمَ الذِي قَدِمَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، وهَذَا التَّأوِيلُ مِمَّا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَوْلَوِيَّةُ المُسْلِمِينَ وَأَحَقِيَّتهُمْ بِمُوسَى عليه السلام لإِضْلَالِهِمْ اليَوْمَ المَذْكُورَ وَهِدَايَةِ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَهُ، وَلَكِنَّ سِيَاقَ الأَحَادِيثِ تَدْفَعُ هَذَا التَّأوِيلَ، والِاعْتِمَادُ عَلَى الأَوَّلِ، ثُمَّ وَجَدْتُ في المُعْجَمِ الكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ المَذْكُورَ أَوَّلًا، وَهُوَ مَا أخْرَجَهُ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ أبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ عَنْ أبِيهِ قَالَ: لَيْسَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ بِاليَوْمِ الذِي يَقُولُهُ النَّاسُ، إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ تُسْتَرُ فِيهِ الكَعْبَةُ، وَكَانَ يَدُورُ في السَّنَةِ، وَكَانُوا يَأْتُونَ فُلَانًا اليَهُودِيَّ -يَعْنِي لِيَحْسِبَ لَهُمْ- فَلَمَّا أتَوْا زَيْدَ بنَ ثَابِتَ سَأَلُوهُ، وسَنَدُهُ حَسَنٌ، أيْ أَنَّ جَهَلَةَ اليَهُودِ يَعْتَمِدُونَ في صِيَامِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ حِسَابَ النُّجُومِ، فَالسَّنَةُ عِنْدَهُمْ شَمْسِيَّةٌ لَا هِلَالِيَّةٌ (1).
رَوَى ابنُ مَاجَهْ في سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ صَيْفِيٍّ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ: "مِنْكُمْ أَحَدٌ طَعِمَ الْيَوْمَ؟ " قُلْنَا: مِنَّا طَعِمَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَطْعَمْ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:"فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ، مَنْ كَانَ طَعِمَ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْ، وَأَرْسِلُوا إِلَى أَهْلِ الْعَرُوضِ فَلْيُتمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ".
(1) انظر فتح الباري (4/ 774).
قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ العَرُوضِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ (1).
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ (2)، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وأمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ (3).
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ (4) وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الأَوْثَانِ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ واشْتَهَرَ أمْرُ الإِسْلَامِ أحَبَّ مُخَالفَةَ أَهْلِ الكِتَابِ أَيْضًا، كَمَا ثَبَتَ في الصَّحِيحِ (5)، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ، فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا، وَقَالَ:"نَحْنُ أحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"،
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب أبواب الصيام - باب صيام يوم عاشوراء - رقم الحديث (1735).
(2)
قال الحافظ في الفتح (4/ 773): أما صيامُ قريش لعاشُورَاء فلعلهم تلقَّوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظِّمونه بكسوَةِ الكعبة فيه وغير ذلك، ثم رأيتُ في المجلس الثالث من "مجالس الباغندي الكبير" عن عِكرِمة أنَّه سئل عن ذلك فقال: أذنَبَتْ قريش ذَنبًا في الجاهلية فعَظُمَ في صدورهم فقيل لهم: صُومُوا عاشُورَاء يُكفَّر ذلك عنكم.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء - رقم الحديث (2002) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء - رقم الحديث (1125).
(4)
أخرج الإمام البخاري في صحيحه - كتاب اللباس - باب الفَرق - رقم الحديث (5917) - ومسلم في صحيحه - كتاب الفضائل - باب في سدل النبي صلى الله عليه وسلم شعره - رقم الحديث (2336) - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أهلِ الكتاب فيما لم يُؤْمر فيه.
(5)
أخرج الإمام مسلم في صحيحه - رقم الحديث (302) عن أنس رضي الله عنه قال: أن اليهود =