الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
حِصَارُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ جَلَاؤُهُمْ:
فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ نَقَضُوا العَهْدَ وَالمِيثَاقَ، وَتَوَسَّعُوا فِي اسْتِفْزَازِهِمْ سَارَ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى المَدِينَةِ أَبَا لُبَابَةَ بَشِيرَ بنَ عَبْدِ المُنْذِرِ رضي الله عنه، وَدَفَعَ اللِّوَاءَ إِلَى حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه، وَكَانَ لِوَاءً أَبْيَضَ.
فَلَمَّا رَأَوْا المُسْلِمِينَ تَحَصَّنُوا فِي حُصُونِهِمْ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ الحِصَارِ، وَدَامَ الحِصَارُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً إِلَى هِلَالِ ذِي القَعْدَةِ، حَتَّى قَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُتِّفُوا (1).
فَحِينَئِذٍ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولٍ لَعَنَهُ اللَّهُ بِدَوْرِهِ النِّفَاقِيِّ، فَأَلَحَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ -وَكَانَ بَنُو قَيْنُقَاعَ حُلَفَاءَ الخَزْرَجِ- فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، فَأَدْخَلَ ابنُ سَلُولٍ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَرْسِلْنِي" وَغَضِبَ حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا (2)، ثُمَّ قَالَ:"وَيْحَكَ أَرْسِلْنِي" قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُرْسِلُكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي
(1) الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 264) - البداية والنهاية (4/ 377).
(2)
قال السهيلي في الروض الأنف (3/ 224): الظُلَلُ: جمع ظُلَّة، وهي ما حَجَبَ عنك ضَوْءُ الشمس وصَحْوُ السماء، وكان وجه رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مشرقًا بَسَّامًا، فإذا غَضِبَ تلوَّن ألوانًا، فكانت تلكَ الألوانُ حَائِلَةً دُون الإشْرَاق والطلاقَةِ والضِّيَاءِ المنتشرِ عند تبَسُّمِهِ صلى الله عليه وسلم.
مَوَالِيَّ، أَرْبَعَمِائَةِ حَاسِرٍ (1) وَثَلاثُمِائَةِ دَارعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ ، إِنِّي وَاللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ (2)، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هُمْ لَكَ"(3).
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْلَوْا (4) مِنَ المَدِينَةِ بِذَرَارِيهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَأَمْهَلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَوَكَّلَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه.
فَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ رضي الله عنه بِالرَّحِيلِ وَالإِجْلَاءِ، وَطَلَبُوا التَّنَفُّسَ (5)، فَقَالَ لَهُمْ عُبَادَةُ: وَلَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لَكُمْ ثَلَاثٌ لَا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا، هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ كُنْتُ أَنَا مَا نَفَّسْتُكُمْ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثٌ خَرَجَ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى سَلَكُوا إِلَى الشَّامِ، وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ (6)، ثُمَّ رَجَعَ.
رَوَى الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَنَّ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقتَلَ
(1) الحَاسِرُ: هو الذي لا دِرْعَ عليه ولا مِغْفَر، والمِغْفَر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه. انظر النهاية (1/ 369)(3/ 336).
(2)
الدائرة: أي الغَلَبَة. انظر النهاية (2/ 130).
(3)
أخرج ذلك ابن إسحاق في السيرة (3/ 54) وإسناده مرسل صحيح.
(4)
الجَلَاءُ: الخُرُوج عن البلد. انظر لسان العرب (2/ 343).
(5)
يُقال: لك في هذا الأمر نُفَسَة: أي مُهْلة. انظر لسان العرب (14/ 236).
(6)
ذُباب: هو جبلٌ بالمدينة. انظر النهاية (2/ 141).
رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. . . وَأَجْلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالمَدِينَةِ (1).
وَغَنِمَ المُسْلِمُونَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَرْضُونَ وَلَا مَزَارعُ، إِنَّمَا كَانُوا صَاغَةً، وَوَجَدُوا فِي حُصُونِهِمْ آلَةَ الصِّيَاغَةِ، وَسِلَاحًا كَثِيرًا، فَقُسِّمَتِ الغَنَائِمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الخُمُسِ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الذِي وَلِيَ قَبْضَ أَمْوَالِهِمْ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ رضي الله عنه (2).
* * *
(1) أخرجه البخاري - كتاب المغازي - باب حديث بني النضير - رقم الحديث (4028) - ومسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب إجلاء اليهود من الحجاز - رقم الحديث (1766).
(2)
انظر تفاصيل غزوة بني قينقاع في: سيرة ابن هشام (3/ 53 - 55) - البداية والنهاية (4/ 376) - فتح الباري (8/ 71) - الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد (2/ 263 - 264) - شرح المواهب (2/ 349).