الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَخَرَجُوا حُبًّا للَّهِ وَلرَسُولهِ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَارُوا الإِسْلَامَ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّهٍ، حَتَّى ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَعْصِبُ (1) الحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ لِيُقِيمَ بِهِ صُلْبَهُ مِنَ الجُوعِ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَّخِذُ الحَفِيرَةَ (2) فِي الشِّتَاءِ مَا لَهُ دِثَارٌ (3) غَيْرُهَا (4).
أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ صَعَالِيكِ (5) المُهَاجِرِينَ بِالفَوْزِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ مِقْدَارُ خَمْسَمِائَةِ سَنةٍ"(6).
*
هِجْرَةُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه
-:
أَمَّا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَدْ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ لَيِالٍ وَأَيَّامِهَا، حَتَّى أَدَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الوَدَائِعَ التِي كَانَتْ عِنْدَهُ لِلنَّاسِ، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَدْرَكَهُ فِي قُبَاءَ، فنَزَلَ مَعَهُ عَلَى كُلْثُومِ بنِ الهِدْمِ رضي الله عنه (7).
(1) يَعْصِبُ: أي يَشُدُّ. انظر لسان العرب (9/ 231).
(2)
الحفيرة: هي البِئْر الموسعة. انظر لسان العرب (3/ 236).
(3)
الدِّثَار: هو الثّوبُ الذي يُسْتَدْفَأ به. انظر لسان العرب (4/ 290).
(4)
انظر تفسير البغوي (4/ 358).
(5)
الصُّعْلوكُ: هو الفقيرُ الذي لا مالَ له. انظر لسان العرب (7/ 350).
(6)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (11604) - والبغوي في شرح السنة - (14/ 192).
(7)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 107).
* مِنْ فَضَائِلِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ (1) رضي الله عنه:
وَقَدْ لَاحَظَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه مُدَّةَ إِقَامَتِهِ بِقُبَاءَ امْرَأَةً مُسْلِمَةً لَا زَوْجَ لَهَا، وَرَأَى إِنْسَانًا يَأْتيهَا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا، فتَخْرُجُ إِلَيْهِ فَيُعْطِيهَا شَيْئًا مَعَهُ، فَتَأْخُذُهُ، قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: فَاسْترَبْتُ (2) بِشَأْنِهِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ! مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الذِي يَضْرِبُ عَلَيْكِ بَابَكِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فتَخْرُجِينَ إِلَيْهِ فيعْطِيكِ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَكِ؟
قَالَتْ: هَذَا سَهْلُ بنُ حُنَيْفِ بنِ وَاهِبٍ، قَدْ عَرَفَ أَنِّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي، فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ فكسَرَهَا، ثُمَّ جَاءَنِي بِهَا، فَقَالَ: احْتَطِبِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَأْثِرُ (3) ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه، حِينَ هَلَكَ عِنْدَهُ بِالعِرَاقِ (4).
وَقَدْ كَانَ لَا يَزَالُ بِالمَدِينَةِ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْثَانٌ يَعْبُدُهَا رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ قَوْمُهُمْ عَلَى تِلْكَ الأَوْثَانِ فَهَدَمُوهَا.
(1) هو سَهْلُ بن حُيفٍ الأوسي الأنصاري، من السابقين، شَهِد بدرًا وثبت يوم أُحد حين انكشفَ الناس، وبايعَ يومئذ على الموت، وكان ينفحُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالنَّبْلِ، وشهد أيضًا الخندق، والمشاهد كلها، واستخلفَهُ علي رضي الله عنه على البصرة بعد معركةِ الجَمَل، ثم شهد معه صِفِّين.
توفي رضي الله عنه بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه عليّ رضي الله عنه. انظر أسد الغابة (2/ 388).
(2)
استرَبْتُ: أي شَكَكْتُ بشأنِهِ. انظر النهاية (2/ 260).
(3)
يأثِر ذلك: أي يَرْوِي ويحكي عنه ذلك. انظر النهاية (1/ 26).
(4)
انظر سيرة ابن هشام (2/ 107).