الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُول أَعْلَمُ (1).
قَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَفي هَذَا الحَدِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ بَدْرٍ لَمْ تَقَعْ لِغَيْرِهِمْ (2).
*
اسْتِشْكَالُ حَدِيثٍ:
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَهُوَ خِلَافُ عَقْدِ الشَّرْعِ، قَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذَا الخِطَابَ خِطَابُ إِكْرَامٍ وَتَشْرِيفٍ، تَضمَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءَ حَصَلَتْ لَهُمْ حَالَة غُفِرَتْ بِهَا ذُنُوبُهُمُ السَّالِفَةُ، وتَأَهَّلُوا أَنْ يُغْفَرَ لَهُمْ مَا يُسْتَأْنَفُ مِنَ الذُّنُوبِ اللَّاحِقَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الصَّلَاحِيَةِ لِلشَّيْءِ وُقُوعُهُ، وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ صِدْقَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ مَنْ أَخْبَرَ عَنه بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى أَعْمَالِ الجَنَّةِ إِلَى أَنْ فَارَقُوا الدُّنْيَا، وَلَوْ قُدِّرَ صُدُورُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمْ لَبَادَرَ إِلَى التَّوْبَةِ وَلَازَمَ الطَّرِيقَ المُثْلَى، وَيَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِالقَطْعِ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى سِيَرِهِمْ (3).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب فضل من شهد بدرًا - رقم الحديث (3983) - وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم رقم الحديث (2494) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (600)(7940).
(2)
انظر فتح الباري (8/ 37).
(3)
انظر فتح الباري (8/ 37) - (9/ 626).
وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: وَقَوْلُه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُمْ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ المُرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ تَقَعُ مِنْهُمْ -كَمَا وَقَعَ مِسْطَحٌ رضي الله عنه فِي حَقِّ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ الإِفْكِ، وَكَمَا شَرِبَ قُدَامَةُ بنُ مَظْعُونٍ رضي الله عنه الخَمْرَ- مُتَأَوِّلًا قَوْلَهُ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} (1) فَقَالَ له عُمَرُ: أَخْطَأْتَ التَّأوِيلَ، فَحَدَّهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه (2) لَكِنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ المَشْهَدِ العَظِيمِ -مَشْهَدِ بَدْرٍ- (3).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبَ بنِ أَبِي بَلْتَعَةَ رضي الله عنه جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالحُدَيْبِيَةَ"(4).
وَأَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: كَانَ عَطَاءُ البَدْرِيِّينَ
(1) سورة المائدة آية (93).
(2)
انظر الإصابة (5/ 324) - وانظر سير أعلام النبلاء (1/ 161).
(3)
انظر فتح الباري (9/ 422).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم رقم الحديث (2495) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (14484) - (27042).
خَمْسَةَ آلَافٍ، خَمْسَةَ آلَافٍ، وَقَالَ عُمَرُ: لَأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ (1).
وَأَخْرَجَ البَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَرْجُو (2) أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ"(3).
وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ حَارِثَةَ بنِ سُرَاقَةَ رضي الله عنه عِنْدَمَا قُتِلَ وَكَانَ فِي النَّظَّارَةِ، وَقَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لأُمِّهِ:"يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى"(4).
قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُعَلِّقًا عَلَى حَدِيثِ حَارِثَةَ بنِ سُرَاقَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَفي هَذَا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلَى فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَإِنَّ هَذَا الذِي لَمْ يَكُنْ فِي بُحَيْحَةِ القِتَالِ (5)، وَلَا فِي حَوْمَةِ الوَغَى (6)، بَلْ كَانَ مِنَ النَّظَّارَةِ مِنْ بَعِيدٍ، وَإِنَّمَا أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنَ الحَوْضِ، وَمَعَ هَذَا أَصَابَ بِهَذَا المَوْقِفِ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المغازي - باب (12) - رقم الحديث (4022).
(2)
قال الحافظ في الفتح (8/ 37): قال العلماء: إن الترجي في كلام اللَّه، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم موقوع.
(3)
أورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 349)، وقال: تفرد البزار بهذا الحديث، ولم يخرجوه، وهو على شرط الصحيح - واللَّه أعلم.
(4)
تقدم تخريج هذا الحديث.
(5)
بُحَيحة القتال: أي سَاحَتُها. انظر لسان العرب (1/ 534).
(6)
حَوْمَة القتال: أي مُعْظَمُهُ وأشدُّ موضع فيه. انظر لسان العرب (3/ 407) - والوغى: الحرب نفسها. انظر لسان العرب (15/ 353).