الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَسَيِّدُ الشَّبَابِ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
تَأَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَتَأَخَّرُ الرُّبَّانُ الشَّرِيفُ عَلَى ظَهْرِ البَاخِرَةِ المَيْئُوسِ مِنْهَا فَلَا يَنْزِلُ حَتَّى يَنْزِلَ الرّكَّابُ جَمِيعًا، وَكَمَا يَتَأَخَّرُ الرَّاعِي الأَمِينُ، عِنْدَ المَفَازَةِ (1) فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَجُوزَ القَطِيعُ كلُّهُ، تَأَخَّرَ صلى الله عليه وسلم يَحْمِي أَتْبَاعَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ بِصَدْرِهِ الخَطَرَ (2).
*
اطْلَاعُ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِ قُرَيْشٍ:
وَقَدْ أَطْلَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَبْيِيتِ المُشْرِكِينَ قَتْلَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ قَلِيلٍ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (3)، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنْ يَبِيتَ فِي فِرَاشِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَلَمَّا أُذِنَ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِالهِجْرَةِ قَالَ لِجِبْرِيلَ عليه السلام: "مَنْ يُهَاجِرُ مَعِي؟ ".
قَالَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ (4).
فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لِيُخْبِرَهُ بِذَلِكَ، وَليُرَتِّبَ مَعَهُ أَمْرَ الهِجْرَةِ.
(1) المَفَازَةُ: هي البرية القَفْرُ، سُميت بذلك؛ لأنها مُهْلِكة. انظر النهاية (3/ 430).
(2)
انظر كتاب رجال من التاربخ للشيخ علي الطنطاوي رحمه اللَّه تعالى ص 15.
(3)
سورة الأنفال آية (30).
(4)
أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب الهجرة - باب هجرة أبي بكر إلى المدينة مع جميع أمواله - رقم الحديث (4325) - وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد والمتن ولم يخرجاه - وقال الذهبي: صحيح غريب.
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ (1) قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ (2)، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَفَي النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً (3)، . . . فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةْ (4)، قَالَ قَائِلٌ (5) لِأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا (6) فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ سَرِيرِهِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا أَنَا وَأُخْتِى أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) لم أعقِلْ أبَوَيَّ: يعني أبا بكر وأم رُومَان. انظر فتح الباري (7/ 638).
(2)
قال الحافظ في الفتح (7/ 638): أي يَدِينانِ بدِين الإسلام.
(3)
قال الحافظ في الفتح (12/ 124): وقد اسْتُشْكِلَ كونُ أبي بكر كان يُحْوِجُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يَتَكَلَّفَ المجيءَ إليه، وكان يُمكنه هو أن يفعل ذلك؟
وأجيبَ: بأنه ليس فِي الخَبَرِ ما يَمنع أن أبا بكر كَانَ يَجِيءُ إليه صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار أكثر من مرَّتين، ويحتمل أن يقال: كان سبب ذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا جَاءَ إلى بيتِ أبي بكر كان يأمَنُ من أذَى المُشرِكِينَ بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه، ويحتمل أن يكون منزِلُ أبي بكر كان بين بيتِ النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسجدِ، فكان يمُرُّ به، والمقصودُ المسجد، وكان يشهده كلما مَرّ به.
(4)
قال الحافظ في الفتح (7/ 643): أي أوَّل الزوال، وهو أشد ما يكون فِي حَرَارة النهار، والغالب في أيامِ الحَرِّ القَيْلُولَة فيها.
(5)
قال الدكتور محمد أبو شهبة في كتابه السيرة النبوية (1/ 473): الظاهر أنها ابنتُهُ أسماء رضي الله عنها.
(6)
أي مُغَطِّيًا رأسه. انظر فتح الباري (7/ 643).
لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"(1)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ (2) بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الخُرُوج وَالهِجْرَةِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةُ (3)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الصُّحْبَةُ"(4).
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَبْكِي، وَمَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الفَرَحِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي مِنَ الفَرَح (5).
(1) قلتُ: هكذا كان حِرْصُ الرسول صلى الله عليه وسلم على كتمِ أمرِ الهِجْرة خشيةَ أن يَنْتَشِرَ خبر هجرته صلى الله عليه وسلم، ففي مثل هذه الأحوال يتطلَّب الحذر الشديد، وكِتْمان الأمر، وقد أخرج ابن حبان فِي روضة العقلاء ص 187 بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه رضي الله عنه: "استَيِعنُوا على قَضَاءِ حَوَائِجكُمْ بالكِتْمَان".
(2)
هذه هي رِواية الإمام البخاري وابن حبان في صحيحيهما.
قال الإمام السهيلي في الروض الأنف (2/ 312) في قول أبي بكر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: إنما هُمْ أهلُكَ. قال: وذلك أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان قد عَقَدَ على عائِشَةَ رضي الله عنها، وأما أسماءُ صارَتْ بمنزِلة الأهل بعد زَوَاج أختها، أو أن هذا من أبي بكر تَنْزِيلٌ لأهله منزلةَ أهل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية ابن إسحاق في السيرة (2/ 98) قال أبو بكر: يا رسول اللَّه إنما هما ابنَتَايَ.
(3)
وفي رواية أخرى فِي صحيح البخاري وابن حبان في صحيحه قال أبو بكر: الصحابة بأبي أنت يا رسول اللَّه.
(4)
وفي رواية أخرى في صحيح البخاري، وابن حبان في صحيحه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ".
(5)
قال الإمام السهيلي في الروض الأنف (2/ 314): قالت عائشة رضي الله عنها ذلك لصِغَرِ سنها -كان عُمرها ثمان سنوات رضي الله عنها وأنها لم تكن علمَتْ بذلك قبل، وقد تطرَّق الشعراء لهذا المعنى، فقال الطائي يَصِفُ السَّحَابَ:
دُهمٌ إذا وكفَتْ فِي رَوْضَةٍ طَفِقَتْ
…
عُيُونُ أزهَارِهَا تَبْكِي منَ الفَرَحِ
ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ، قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ اِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"بِالثَّمَنِ"(1)، فَأَعْطَى النَّبِيَّ إِحْدَاهُمَا وَهِيَ: الجَدْعَاءُ (2).
* اسْتِئْجَارُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ أُرَيْقِطَ (3) دَلِيلًا:
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُرَيْقِطَ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيْلِ بنِ بَكْرٍ، هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالخِرِّيتُ المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ -أَيْ هِدَايةِ الطَّرِيقِ-،
(1) قال الإمام السهيلي في الروض الأنف (2/ 313): إنما اشتَرَط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون أخذ الناقة بالثمن مع أن أبا بكر أنفَقَ ماله كله على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم أحَبَّ أن تكون هجرته إلى اللَّه بنفسه ومالِهِ رغبَةً منه عليه الصلاة والسلام فِي استكمَالِ فضلِ الهجرة، والجِهَاد على أتمِّ أحوالهما.
(2)
قلتُ: ذكر ابن سعد في طبقاته (1/ 109): أن الناقَةَ التي أخذَهَا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أبي بكر هِيَ القَصْوَاءُ، والصحيح ما في الصحيح وأنها: الجَدْعَاءُ، وسُمِّيَتْ بذلك قيل لأنها كانت مَقْطُوعَةَ الأذُنِ، وقيل: لم تكن مَقْطُوعَةَ الأذُنِ، وإنما كان هذا اسْمًا لها. انظر النهاية (1/ 239).
وأخرج ذلك البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (3905) - وأخرجه فِي كتاب المغازي - باب غزوة الرجيع - رقم الحديث (4093) - وأخرجه ابن حبان في صحيحه - كتاب التاريخ - باب في هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة - رقم الحديث (6277) - (6868) - وابن إسحاق في السيرة (2/ 98).
(3)
قال الحافظ في الإصابة (4/ 5): عبد اللَّه بن أُرَيقِطٍ دليلُ النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه لما هَاجَرَ إلى المدينة، وأنه على دِين قومه، ولم أرَ مَنْ ذكره فِي الصحابة إِلَّا الذهبي فِي التجريد، وقد جزَمَ عبد الغني المقدسي في السيرة له: بأنه لا يُعرف له إسلامًا، وتبِعَه النووي فِي تهذيب الأسماء.