الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدلّ على أن ما عدا الأمر الجازم لا يجب الاتباع فيه (1) .
وأصل التخيير التسوية: فإذا خُيِّر بين ذلك الفعل وبين ما عُلِم وجوبه كان ذلك الفعل واجباً، أو خُيِّر بينه وبين مندوب كان ذلك الفعل مندوباً، أو بينه وبين ما عُلِمتْ إباحته كان ذلك الفعل مباحاً.
سؤال:
قال بعض [فضلاء* العصر](2) : قول العلماء التخيير يقتضي التسوية (3) يُشْكل، فإن (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم أتِيَ (5) ليلة الإسراء بقَدَحين، أحدهما لَبَن والآخر خَمْر، وخُيِّر بينهما، فاختار اللَّبَن، فقال له (6) جبريل عليه السلام لو اخْترتَ الخمر لغَوَتْ أمَّتُك (7) . فالخمر موجِبٌ للإغواء، ومع ذلك خُيِّر بينه وبين موجب الهداية وهو اللَّبَن، وموجب الهداية مأمور به، وموجب الغَيّ والإغواء منهيٌ عنه، فقد وُجِد (8) التخيير لا مع الاستواء في الأحكام.
جوابه: أنَّ الحكم الشرعي كان في القدحين واحداً (9) ، وهو الإباحة، غير أنَّ الشيئين قد يستويان في الحكم الشرعي، ويكون* اختلافهما بحسب العاقبة (10) لا بحسب الحكم، كما انعقد الإجماع على جواز بناء ما شِئْنا من الدُّوْر وشراء ما شِئْنا من
(1) ذكر المصنف حديث بَرِيْرة ليدلِّل على مذهب ابن خَلَاّد في أن التأسي به صلى الله عليه وسلم لا يكون في غير العبادات كالمناكحات والمعاملات..فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان شافعاً في مسألة المراجعة لا آمراً.
(2)
ما بين المعقوفين في س: ((الفضلاء)) . ولم أقف على اسمه. وانظر السؤال وجوابه في: نفائس الأصول
5 / 2339.
(3)
انظر قاعدة: التخيير واقتضائه التسوية أو عدمها في: الفروق للقرافي 2 / 8.
(4)
في ق: ((بأن)) .
(5)
في س: ((أوتي)) ولعلَّه تحريف؛ لأن روايات الحديث عبَّرت بالإيتاء وليس بالإتيان، ولأن ((أوتي)) يتعدى بنفسه لا بحرف الجرّ الباء. انظر مادة " أتي " في: لسان العرب.
(6)
ساقطة من ن.
(7)
الحديث رواه البخاري (3394) ومسلم (272) كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»
…
ثم أتِيْتُ بإناءين، في أحدهما لَبَن وفي الآخر خمر. فقال: اشْربْ أيَّهما شِئْتَ. فأخذْتُ اللَّبن فشربْتُه. فقيل: أخَذْتَ الفِطْرة، أمَا إنك لو أخذْتَ الخمر غَوَتْ أمتك «. واللفظ للبخاري.
(8)
في ن: ((وجب)) وهو صحيح أيضاً؛ لأن وجب بمعنى: ثبت. انظر مادة " وجب " في: لسان العرب.
(9)
في ن: ((واحدٌ)) وهو خطأ نحوي. والمثبت هو الصواب، لأن خبر ((كان)) منصوب.
(10)
في س: ((القاعبة)) وهو تحريف.
الدَّواب وزواج ما شِئْنا من النِّساء، ومع ذلك إذا عَدَل الإنسان عن أحد هذه إلى غيره (1) أمكن أن يقول له صاحب الشرع: لو اخترت تلك الدار أو الدابة أو المرأة لكانت مشئومة، كما جاء في الحديث (2) ، وإنْ كان للعلماء فيه خلاف في تأويله (3) ،
غير أن ذلك لا يمنع التمثيل (4) ، فإنه يكفي الإمكان فيما يُتَوَقَّعُ في (5) العواقب ولا (6) يُغيِّر الحكم الشرعي، كذلك القَدَحان حكمهما الإباحة، وأخبر جبريل عليه السلام أن الله تعالى* ربط بأحدهما حسن العاقبة، وبالآخر سوء العاقبة، وذلك غير الأحكام الشرعية. نعم، لو قال جبريل عليه السلام لو اخْتَرْتَ الخمر لأَثِمَتْ [أمَّتُك](7) أشْكَل. أما العواقب فلا تُناقِض تَقَدُّم الإباحة.
وقولي: " أو بما يدلُّ على نفي قسمين فيتعيّن الثالث " معناه: أنَّ فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع فيه (8) محرَّم لعصمته، ولا مكروه لظاهر حاله، فلم يَبْقَ إلا الوجوب والندب والإباحة، فهي ثلاثة، إذا دلَّ الدليل على نفي اثنين منها تعيَّن الثالث لضرورة الحَصْر،
(1) في س، ق:((غيرها)) وهو محتمل على تقدير عود الضمير على المعدود المحذوف، تقديره ((الأشياء)) . والله أعلم.
(2)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:» إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار «رواه البخاري (2858) ومسلم (2225) .
(3)
من هذه التأويلات:
أ - أنَّ هذه الأشياء أكثر ما يتطيَّر به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره.
ب - إنْ كان الله خَلَق الشؤم في شيءٍ مما جرى من بعض العادة، فإنما يخلقه في هذه الأشياء، فالنفوس يقع
فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. ويؤيد هذا المعنى حديث مسلم (2226) "إن كان، ففي المرأة
والفرس والمسكن " يعني الشؤم.
جـ - شؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للرِّيَب، وشؤم الفرس ألَاّ يُغْزى عليها، وشؤم الدار
ضيقها وسوء جيرانها.
انظر: فتح الباري لابن حجر 6/76. شرح صحيح مسلم للنووي 14 / 184.
(4)
في س: ((التمسك)) .
(5)
في ن: ((مِنْ أنّ)) .
(6)
في ن: ((لا)) بدون الواو.
(7)
هكذا أثبتت في هامش نسخة ز. وهو أليق في التعبير مما جاء في جميع النسخ، إذ خلتْ منها.
(8)
في س، ن:((في فعله)) وهو تكرار.
فإذا ذهبت الإباحة والندب تعيَّن الوجوب، [أو الوجوب والإباحة تعيَّن الندب](1) ، أو الندب والوجوب تعيَّنت الإباحة.
ومعنى " الاستصحاب في عدم الوجوب وبالقُرْبة على عدم الإباحة " أي: من وجوه الاستدلال، أن يقول (2) : هذه قُرْبة لأنها صلاة أو صيام - مثلاً - فلا تكون مباحة؛ لأن الأصل في هذه الأبواب عدم الإباحة (3) ، والأصل أيضاً عدم الوجوب (4) فيتعين (5) الندب.
وبالقضاء على الوجوب: هذا على مذهب مَالِكٍ أنَّ النوافل لا تُقْضَى (6) . وأما على قاعدة الشَّافِعي أن العيدين يُقْضيان وكل نافلة لها سبب (7) فلا نقدر أن نقول: هذا الفعل (8) قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون واجباً، لأن القضاء ليس من خصائص الواجب، وإنّما يأتي ذلك على مذهب مالك ومن قال بقوله (9) .
(1) ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(2)
في ن: ((تقول)) .
(3)
أي الأصل في القربات: الندب أو الوجوب.
(4)
أي الأصل (الاستصحاب) : براءة الذمَّة من الوجوب.
(5)
في ن: ((فتعيّن)) .
(6)
قال خليلٌ في مختصره: ((ولا يُقضى غيرُ فَرْضٍ إلاّ هي - يقصد ركعتي الفجر - فللزَّوال)) قال الحَطَّاب: هذا هو المشهور. وقيل: لا يقضيهما. مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (2 / 392)، وقال ابن جُزَيّ المالكي:((ومن فاتته نافلةٌ لم يَقْضِها في المذهب إلا من فاتته ركعتا الفجر فيقضيهما بعد طلوع الشمس وفاقاً لهم)) ، أي للأئمة الثلاثة. قوانين الأحكام الشرعية ص 86.
(7)
قال النووي في المنهاج: "ولو فات النَّفْل المؤقت نُدب قضاؤه في الأظهر". قال الشارح الشربيني: "خرج بالمؤقَّت ما له سبب كالتحيَّة والكسوف فإنه لا مدخل للقضاء فيه ". فعُلم من هذا أنه ليس كل نافلة لها سبب أنها تُقضى. والنوافل التي لها سبب كثيرة منها: الكسوف والاستسقاء والتحيَّة وركعتا الطواف وسنة الوضوء وسجدة الشكر والتلاوة.. إلخ. انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني 1 / 310، 457.
(8)
ساقطة من ق.
(9)
ممن قال بقوله: أبو حنيفة، والشافعي في القديم، وأحمد في رواية عنه. انظر: بدائع الصنائع للكاساني 2/273، المغني لابن قدامة 2 / 533، 544، المجموع شرح المهذب للنووي 3 / 532، نيل الأوطار للشوكاني 3 / 26.