الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نقطة الماء ونحوها، فإن القصد إليها نادر، ومع هذا الفرق أمكن أن يقولوا بالمنع مطلقاً في هذا القسم من غير تفصيل (1) .
احتج الشيخ سيف الدين الآمدي (2) في هذه المسألة بنسخ الخمسين صلاةً ليلة الإسراء حتى* بقيت خمساً (3) .
ويردُ عليه: أنها خبر واحد فلا تفيد القطع، والمسألة قطعية (4) . ولأنه نسخ قبل الإنزال (5) ، [وقبل الإنزال](6) لا يتقرَّر (7) علينا (8) حكم (9) ، فليس من صورة النزاع.
حكم النسخ لا إلى بدل
ص: والنسخ لا إلى بدل (10)
خلافاً
(1) انظر مزيداً من توضيح مذهب المعتزلة كما استخرجه المصنف من مقتضى قاعدتهم في التحسين والتقبيح في: رفع النقاب القسم 2 / 396.
(2)
انظر: الإحكام للآمدي 3 / 130، ذكِر هذا الاحتجاج أيضاً في: التمهيد لأبي الخطاب 2 / 360، تيسير التحرير 3 / 187.
(3)
حديث الإسراء والمعراج وفرض الصلوات عليه صلى الله عليه وسلم من رواية البخاري (349) ومسلم (259) ، (263) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
أما كون الخبر آحاداً فقد قال علاء الدين البخاري: ((الحديث ثابت مشهور، قد تلقته الأمة بالقبول، وهو في معنى التواتر، فلا وجه إلى إنكاره)) . كشف الأسرار للبخاري 3 / 326. وعدَّه السيوطي والكتاني من الأحاديث المتواترة. انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ص 263، نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاني ص 219، 220. ثم إن المسألة ظنية اجتهادية والتمسك في الظنيات بخبر الواحد جائزٌ وفاقاً. انظر: نهاية الوصول للهندي 6 / 2283.
(5)
فيه نظر، بل بعد الإنزال، لأنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم في السماء، ولا عبرة في الإنزال إلى الأرض. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 399.
(6)
في ق: ((وحينئذٍ)) .
(7)
في ن: ((يتعذر)) وهو تحريف.
(8)
في ق: ((عليها)) وربما كان عود الضمير على: المسألة.
(9)
لا يشترط في بلوغ الأمر أن يعمَّ جميع المكلفين، بل يكفي علم بعضهم. وقد علمه سيد الأمة وإمام المكلفين صلى الله عليه وسلم. انظر: شرح الكوكب المنير 3 / 531، والتقرير والتحبير 3 / 49.
(10)
البَدَل لغة: هو قيام الشيء مقام الشيء الذاهب. ويقولون: بدَّلْتَ الشيءَ؛ إذا غَيَّرْتَه وإن لم تأت له
ببدل. معجم المقاييس في اللغة لابن فارس مادة " بدل ".
وفي الاصطلاح له معنيان، أحدهما عام، والآخر خاص. أما العام فهو: رَدُّ الحكمِ إلى ما قبل شرع الحكم المنسوخ ولو كان الإباحة الأصلية. مثاله: نسخ وجوب تقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإباحة أو الاستحباب. والمعنى الخاص هو: قَصْر البدل على شرع حكمٍ جديدٍ ليحُلَّ محل الحكم المنسوخ. مثاله: نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان. ولكون البدل يرد على المعنيين السابقين وقع النزاع بين العلماء في اشتراط البدل أو عدمه في النسخ. انظر: شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 193، تيسير التحرير 3 / 197، النسخ في دراسات الأصوليين د. نادية العمري ص 257.
لقوم (1)
كنسخ الصدقة في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (2) لغير بدل.
الشرح
قيل: إن ذلك زال لزوال سببه وهو التمييز بين المؤمنين والمنافقين، وقد ذهب
(1) المجوزون للنسخ لا إلى بدل: هم أكثر العلماء وجماهير الأصوليين. والمانعون من النسخ إلى غير بدل
هم قومٌ من أهل الظاهر والمعتزلة. أما ابن حزم فإنه يرى جواز نسخ الشيء بإسقاطه جملة، انظر: الإحكام (2 / 805) . وأمَّا أبو الحسين البصري في المعتمد (1 / 384) فمذهبه مع المجوِّزين، ونقل المنع عن بعض الناس دون تسميتهم. وذكر اللَاّمشي في كتابه أصول الفقه ص (174) أنه مذهب بعض أصحاب الحديث. واشتراط البدل ظاهر قول الشافعي حيث قال:((وليس يُنسخ فَرْضٌ أبداً إلا أثبت مكانه فرضٌ، كما نُسخت قبلهُ بيت المقدس فأثْبِت مكانها الكعبة، وكلُّ منسوخٍ في كتابٍ وسنةٍ هكذا)) الرسالة ص (109) . ومن العلماء من أوَّلَ كلام الشافعي بحمله على غير ظاهره ليتوافق مع قول الجمهور. انظر: العدة لأبي يعلى 3 / 783، البرهان للجويني 2 / 856، الإبهاج 2 / 238، تحفة المسؤول للرهوني القسم 2 / 498، البحر المحيط للزركشي 5 / 237، التوضيح لحلولو ص 260.
* حقيقة الخلاف في المسألة:
المسألة لا نزاع فيها في واقع الأمر، لأن المشترطين للبدل فهموا البدل بالمعنى العام والجمهور لا يخالفونهم في اشتراطه. وأما الجمهور - غير الشارطين - فقد فهموا البدل بالمعنى الخاص، والخصم لا يخالفهم في عدم اشتراطه، ثم قد يقع النزاع في المثال تبعاً للاختلاف في معنى البدل. والله أعلم. انظر: الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع ص 455 (رسالة دكتوراه بالجامعة الإسلامية تحقيق: سعيد المجيدي) ، التقرير والتحبير 3 / 57، شرح الكوكب المنير 3 / 548، نشر البنود 1 / 286.
(2)
المجادلة، من الآية: 12، وصدرها قوله تعالى:{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} وهي الآية المنسوخة. والآية التي نسختها هي قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
…
} [المجادلة: 13] .
المنافقون* فاستغني عن الفرق (1) .
جوابه: روي أنه لم يتصدَّق إلا عليٌّ رضي الله عنه فقط (2) مع بقاء السبب بعد صدقته، ثم نسخ حينئذٍ.
احتجوا بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا} (3) فنصَّ تعالى على أنه لابد من البدل بأحسن أو مِثْلٍ (4) .
جوابه: أنَّ هذه صيغة شرطٍ، وليس من شَرْط الشَّرْط أن يكون ممكناً فقد يكون متعذراً (5) كقولك (6) : إن كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان، وهذا الشرط محال
(1) معنى هذا الاعتراض: أن زوال التصدق ليس من باب النسخ بل من باب رفع الحكم لزوال سببه. انظر هذا الاعتراض في: المحصول للرازي 3 / 308، الإبهاج 2 / 231، نهاية السول للإسنوي 2 / 561.
* ما روي في سبب نزول آية التصدق عند المناجاة:
أ - عن ابن عباس أن قوماً من المسلمين كثرت مناجاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم في غير حاجة إلا لتظهر منزلتهم، وكان صلى الله عليه وسلم سمحاً لا يرد أحداً فنزلت الآية. انظر: روح المعاني للألوسي 14 / 224.
ب - عن مقاتل أن الأغنياء كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره عليه الصلاة والسلام طول جلوسهم ومناجاتهم فنزلت الآية. انظر: أسباب النزول للواحدي ص 412.
جـ - عن ابن زيد: لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشق ذلك على أهل الحق
…
قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه. انظر: جامع البيان للطبري مجلد 14 / جزء 28 / 28.
د - عن زيد بن أسلم: نزلت بسبب أن المنافقين واليهود كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون إنه أذن
…
فكان ذلك يشقُّ على المسلمين. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 17 / 301.
(2)
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال: ((إن في كتاب الله لآيةً ما عمل بها أحدٌ، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي، آية النجوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً
…
} قال: كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فناجيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهماً ثم نسِختْ، فلم يعمل بها أحدٌ فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ
…
} رواه الحاكم في مستدركه 2 / 524 برقم (3794) . وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
البقرة، من الآية:106.
(4)
انظر: المعتمد 1 / 385، التمهيد لأبي الخطاب 2 / 351، نهاية الوصول للهندي 6 / 2295، فواتح الرحموت 2 / 85.
(5)
في ق: ((ممتنعاً)) .
(6)
في س، ن:((كقوله)) .