الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن بَرْهان في كتاب " الأوسط "(1) : ينعقد الإجماع في زمانه عليه الصلاة والسلام (2) . وجماعةٌ من المصنِّفين وافقوا الإمام فخر الدين على دعواه على ما فيها من الإشكال (3) .
وحجة الجواز لمن خالف (4) في هذه المسألة، فهي مبنية على أنه يجوز أن ينعقد إجماع بعد إجماعٍ مخالفٍ له، ويكون كلاهما حقاً، ويكون انعقاد الأول مشروطاً بأن لا يطرأ عليه إجماع آخر وهو شذوذ من المذاهب، فبُنِيَ (5) الشاذ على الشاذ، والكل ممنوع.
حكم نسخ الفحوى والنسخ به
ص: ويجوز نسخ الفَحْوى (6) - الذي هو مفهوم الموافقة - تبعاً* للأصل، ومنع أبو الحسين (7) من نسخه مع بقاء الأصل دفعاً للتناقض بين تحريم التأفيف - مثلاً -
(1) كتاب الأوسط: هو واحدٌ من الكتب الأصولية الستة لابن برهان وهي: الوجيز، الأوسط، البسيط، الوسيط، التعجيز، الوصول إلى الأصول. والأخير منها مطبوع، والكتب الأخرى لم أقف عليها، وقد نقل بعض علماء الأصول من كتاب الأوسط كالقرافي هنا، والإسنوي في نهاية السول، والزركشي في البحر المحيط، والشوكاني في إرشاد الفحول. انظر: مقدمة: كتاب الوصول إلى الأصول لابن برهان، تحقيق د. عبد الحميد أبو زنيد ص 31.
(2)
هكذا نَقَل المصنف هنا عن ابن برهان، والذي نقله في النفائس (6 / 2503) عنه أنه لا ينعقد، والنقل الذي في النفائس هو الصواب، كما قاله الزركشي:((والذي وجدتُه في الأوسط لابن برهان في الكلام على حجية الإجماع أنه إنما يكون حجة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم) البحر المحيط 6 / 454، وهكذا وجدتُ كلام ابن برهان في الوصول (2 / 51) ظاهره أن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
(3)
انظر: إحكام الفصول ص 428، أصول السرخسي 2 / 66، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل
4 / 317، البحر المحيط للزركشي 5 / 284، نشر البنود 1 / 282.
(4)
في ن: ((خلافه)) .
(5)
في س: ((فينبني)) .
(6)
الفحوى، لغة: معنى ما يعرف من مذهب الكلام، وفهمْتُهُ من فحوى كلامه، أي: معناه ولحنه. انظر مادة " فحا " في: لسان العرب، المصباح المنير. واصطلاحاً: هو إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه بطريق الأولى. وهو مفهوم الموافقة الأولوي، ويسميه الأحناف: دلالة النص. انظر: شرح تنقيح الفصول للمؤلف ص 54 (المطبوع) ، كشف الأسرار للبخاري 1 / 184.
(7)
انظر: المعتمد 1 / 405.
وحِلِّ الضرب (1) .
ويجوز النسخ به وفاقاً (2) لفظيةً كانت دلالته أو قطعيةً على الخلاف.
الشرح
قال الإمام فخر الدين: اتفقوا على جواز نسخ الأصل والفحوى معاً، وأما نسخ الأصل وحده فإنه يقتضي نسخ الفحوى، [لأن الفحوى تبع. وأما نسخ الفحوى](3) مع بقاء الأصل فمنعه أبو الحسين (4) ، لئلا يَنْتَقِض الغَرَض [في الأصل](5) كما تقدَّم في (6) التأفيف، فتحريمه لنفي العقوق وإباحة الضرب أبلغ في العقوق، فيبطل المقصود من تحريم التأفيف (7) .
وقال سيف الدين (8) : تَرَدَّد قول القاضي عبد الجبار (9) في نسخ الفحوى دون
(1) مسألة نسخ الفحوى فيها ثلاثة أوجه، الأول: نسخ الفحوى والأصل معاً، كنسخ تحريم الضرب تبعاً لنسخ تحريم التأفيف، فهذا جائز بالاتفاق. والثاني: نسخ الفحوى مع بقاء الأصل، فهذا جوزه بعض العلماء ومنعه آخرون. الثالث: نسخ الأصل مع بقاء الفحوى، فهذا كذلك جوزه بعضهم ومنعه آخرون. وهناك تفصيلات أخرى في المسألة. انظر: المعتمد 1 / 404، المحصول للرازي 3 / 360، الاحكام للآمدي 3 / 165، مختصر ابن الحاجب بشرح العضد 2 / 200، المسودة ص 221، مفتاح الوصول ص 600، البحر المحيط للزركشي 5 / 300، التوضيح لحلولو ص 268، رفع النقاب القسم 2 / 429، شرح الكوكب المنير 3/ 576، فواتح الرحموت 2 / 155.
(2)
مسألة: النسخ بالفحوى، حكى الرازي (3 / 361) ، والآمدي (3 / 165) ، الاتفاق على جوازه، لكن ذكر ابن السبكي عن إدعاء الاتفاق بأنه ليس بجيد، ونقل الخلاف في المسألة. وتعجّب الزركشي من حكاية الاتفاق، واختار أبو إسحاق الشيرازي المنع. انظر: اللمع للشيرازي ص 30، قواطع الأدلة 3 / 93، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لابن السبكي 4 / 105 - 106، البحر المحيط للزركشي 5 / 301، الضياء اللامع لحلولو 2 / 102، رفع النقاب القسم 2 / 432.
(3)
ما بين المعقوفين ساقط من س.
(4)
انظر: المعتمد 1 / 504.
(5)
ساقطة من ن، وفي ق:((في ذلك)) .
(6)
في ق: ((من)) .
(7)
انظر: المحصول للرازي 2 / 360.
(8)
انظر: الإحكام للآمدي 3 / 165.
(9)
هو: القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الحسن الهَمَذَاني - نسبةً إلى هَمَذَان مدينة بالجبال نحو العراق - إمام المعتزلة في زمانه، شافعي المذهب، عدّ ابن خلدون في مقدمته (3 / 1065) كتابه:
" العمد " من أركان فن أصول الفقه، ومن تآليفه: المغني في أبواب التوحيد والعدل (ط) وهو كتاب كبير جداً، تنزيه القرآن عن المطاعن (ط) . ت عام 415هـ. انظر: شرح العيون للجشيمي ص365، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 5 / 97.
الأصل، فجوزه تارة ورآه من باب التخصيص؛ لأنه نص على الجميع، ثم خصص البعض (1) ، ومنعه مرة للتناقض، ونقْضِ الغرض (2) .
وقولي: ((كانت دلالته لفظيةً أو قطعيةً)) : أريد بالقطعية العقلية (3) الذي هو القياس، فإن الناس اختلفوا في تحريم الضرب مثلاً في تلك الآية (4) : هل هو ثابت بالقياس على تحريم التأفيف* بطريق الأولى، أو هو بدلالة اللفظ عليه التزاماً (5) لا بالقياس (6) ؟.
فإن كانت [دلالته التزاماً](7) صحَّ النسخ بها، أو قياساً صحَّ النسخ بها، لأنه (8) حُكْمٌ [صار مناقضاً](9) لحكمٍ متقدِّمٍ (10) ، فصحَّ النسخ (11) به كسائر ما يجوز به النسخ. نعم يشترط في المنسوخ أن يكون مثله في السند أو أخفض رتبة.
(1) وجه التخصيص: أن قوله تعالى: {فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [الإسراء: 33] نَصٌّ عام يقتضي تحريم كل أنواع الأذى، ثم خُصّص من ذلك بعض أنوعه، كالضرب مثلاً، لأن كل واحدٍ من الفحوى والأصل له دلالة مستقلة بنفسها.
(2)
قال في المعتمد 1 / 405: ((ومَنَع منه في الدَّرْس، وهو الصحيح)) .
(3)
وهو تعبير الرازي في محصوله 3 / 361، فسر معناها المصنف في كتابه: النفائس 6 / 2510: أي العقل أدرك الحكمة التي لأجلها ورد الحكم، فقاس في الصورة التي لم يرد فيها النص. ثم قال: يرد عليه أن القياس ليس يقيناً (قطعياً) لاحتمال الغلط.
(4)
وهي آية الإسراء: 23: {
…
فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} .
(5)
دلالة الالتزام: عرَّفها المصنف بقوله: هي فهم السامع من كلام المتكلم لازم المسمّى البيِّن. انظر التعريف وشرحه ومثاله في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 24 - 25.
(6)
انظر اختلاف العلماء في ثبوت تحريم ضرب الوالدين أهو مستفادٌ بدلالة اللغة أم بالقياس؟ في: الرسالة للشافعي ص 515، إحكام الفصول ص 509، التبصرة للشيرازي ص 227، نفائس الأصول
6 / 2510، جامع الأسرار في شرح المنار للكاكي 2 / 505، أصول الفقه لابن مفلح 3 / 1061.
(7)
في س، ق:((دلالة التزام)) .
(8)
هذا تعليل لجواز النسخ بالفحوى على كلا التقديرين في دلالته، سواء كانت لفظية أم عقلية.
(9)
هكذا في ن، وفي س، ق:((طاريءٌ مناقضٌ)) وهو سائغ أيضاً.
(10)
مثال النسخ بالفحوى: كما لو ورد نصٌ بتحليل الضرب، فيستدلُّ به - عن طريق الفحوى - على نسخ تحريم التأفيف الثابت بنصٍ متقدِّم.
(11)
ساقطة من س.