الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرح
أدلة المثبتين لحجية القياس
وجه الاستدلال من الآية (1) : أن قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} (2) مُشْتقٌّ من العبور وهو المجاوزة، ومنه سُمِّي المُعْبرَ للمكان الذي يُعْبر منه من شطِّ (3) الوادي ويُعْبر فيه وهو السفينة (4) ، وسُمِّيت العَبْرة عَبْرةً (5) ؛ لأنها تعبر من الشؤون (6) إلى العين، وعَابِرُ المنام هو المتجاوز من تلك المُثْل المرئِيَّة إلى المراد بالمنام من الأمور الحقيقية (7) ، والقائس (8) عَابِرٌ من حكم الأصل إلى حكم الفرع، فتناوله لفظ الآية بطريق الاشتقاق (9) .
سؤال: استدل جماعة من العلماء بهذه الآية، وهي غير مفيدةٍ للمقصود؛ بسبب (10) أن الفعل في سياق الإثبات مطْلقٌ لا عموم فيه، والآية فِعلٌ في سياق الإثبات، فتتناول (11) مطلق العبور، فلا عموم فيها حتى تتناول (12) كل عبور فتندرج (13)
فيها (14) صورة النزاع، وإذا كانت مطلقة كانت دالة على ما هو أعم من القياس،
(1) هنا زيادة ((الأُوْلى)) في س، ن، والأَوْلى تركها لعدم وجود آيةٍ أخرى، إلا إذا عُني بالأولى الدليلُ الأولُ بالنسبة للدليل الثاني وهو الحديث.
(2)
سورة الحشر، من الآية:2.
(3)
في س: ((شاطيء)) وهو معنى الشَّطِّ وكلاهما بمعنى: الجانب. انظر: لسان العرب مادة ((شطط)) . وفي ن: ((شاط)) وهو تحريف.
(4)
المِعْبَر بالكسر: اسم آلة وهو ما عُبر به النهر من فُلْكٍ أو قنطرة أو غيره. والمَعْبَر بالفتح: اسم مكان وهو الشَّطُّ المهيأ للعبور. وقال الأزهري: المِعْبرة: سفينة يُعْبر عليها النهر. انظر: مادة ((عبر)) في: تهذيب اللغة، لسان العرب. وكان من الأحسن أن تكون عبارة المصنف فيها تفريق بين اسم المكان واسم الآلة.
(5)
العَبْرة: هي الدمَّعة، والجمع: عَبَرات وعِبَر. وهناك معانٍ أخرى. انظر: لسان العرب مادة ((عبر)) .
(6)
الشَّأْن: مجرى الدمع إلى العين، والجمع أشْؤُن، وشُئُون. وقيل: هي مواصل قبائل الرأس إلى العين، أو هي عروق الدَّمْع. انظر: مادة ((شأن)) في لسان العرب.
(7)
جاء في لسان العرب مادة ((عبر)) بأن المُعْتَبِر: هو المستدل بالشيء على الشيء.
(8)
في س، ن:((والقياس)) وهو تحريف.
(9)
انظر: معجم المقاييس في اللغة مادة ((عبر)) .
(10)
في س: ((سبب)) وهو تحريف.
(11)
في ن: ((يتناول)) ، وفي س:((فيتناول)) وكلاهما صحيح.
(12)
في س، ن:((يتناول)) .
(13)
في ق: ((فيندرج)) .
(14)
في س، ن:((فيه)) وهو متَّجه باعتبار عود الضمير على: الفعل.
والدال على الأعمِّ غير دال على الأخصِّ، كما أن لفظ الحيوان لا يدل على الإنسان، ولفظ العدد لا يدل على الزَّوْج (1) .
ومما يدل على القياس إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على العمل بالقياس (2) ، وذلك يُعْلم [من استقراء](3) أحوالهم ومناظراتهم (4) ، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري ((اعْرِف (5) الأشباه والنظائر وما اختلج في صدرك فألْحِقهُ بما هو أشبه بالحق)) (6)
وهذا هو عين القياس.
ولأنه عليه الصلاة والسلام نبَّه على القياس في مواطن، منها: أن عمر رضي الله عنه سأل (7) عن قبلة الصائم فقال له (8) عليه الصلاة والسلام ((أرأيت لو تمضمضْتَ بماءٍ ثم
(1) انظر الأجوبة عن هذا السؤال في: قواطع الأدلة 4 / 54، الإحكام للآمدي 4 / 31، نهاية السول ومعه سلم الوصول للمطيعي بحاشيته 4 / 12 - 14.
(2)
في ق: ((به)) بدلاً من: ((بالقياس)) .
(3)
في س: ((باستقراء)) .
(4)
حكى إجماع الصحابة عدد من الأصوليين، منهم: السمعاني في قواطع الأدلة (4 / 42) وعدَّ جملةً وافرة من مناظراتهم، وكذا ابن القيم في إعلام الموقعين 1 / 196 - 207. وانظر: الضروري في أصول الفقه لابن رشد ص 132، الإحكام للآمدي 4 / 40، نهاية الوصول للهندي 7 / 3108، شرح مختصر الروضة 3 / 262، كشف الأسرار للبخاري 3 / 511.
(5)
في س: ((عرف)) وهو تحريف.
(6)
أخرجه الدارقطني مطولاً في سننه (4 / 206) ولفظ موضع الشاهد منه ((الفَهْم الفَهْم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قِس الأمور عند ذلك، فاعمِدْ إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى)) . قال العظيم أبادي: ((في إسناده عبيد الله بن أبي حميد وهو ضعيف)) التعليق المغني بذيل سنن الدارقطني 4 / 206، ورواه البيهقي في سننه الكبرى 10 / 150، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه 1 / 492. قال ابن حجر:((وساقه ابن حزم من طريقين، وأعلَّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المَخْرج فيهما مما يقوِّي أصل الرسالة، لاسيما وفي بعض طرقه أنَّ راويه أخرج الرسالة مكتوبة)) تلخيص الحبير (4 / 196) . وانظر: المحلَّى 1 / 59، والإحكام 2 / 468، والنبذ ص 133 جميعها لابن حزم. والأثر صححه: أحمد شاكر في تحقيقه على المحلى 1 / 59، والألباني في إرواء الغليل 8 / 241. وقال ابن القيم:((وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة..والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه)) . إعلام الموقعين 1 / 92.
(7)
في س، ن:((سأله)) .
(8)
ساقطة من س.
مَجَجْتَه (1) أكنْتَ شاربه؟!)) (2)، وجه الدليل [من ذلك] (3) : أنه عليه الصلاة والسلام شبَّه بالمضْمَضة (4) إذا لم يَعْقُبْها شَرْبٌ القُبْلةَ (5) إذا لم يعقُبْها إنزالٌ بجامع انتفاء الثمرة المقصودة من (6) الموضعين؛ وهذا هو عين القياس. ومنها (7)
قوله عليه السلام للخَثْعَمِيَّة (8)((أرأيتِ لو (9) كان على أبيك دَيْنٌ أكنتِ قاضيته؟! قالت: نعم. قال: ((فدَيْنُ الله أحقُّ بالقضاء (10)) ) (11) وهذا هو عين القياس.
(1) مججته: قذفته وألقيته. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر مادة ((مجج)) .
(2)
لم أجده بهذا اللفظ فيما وقفت عليه. والذي وجدته هو حديث عمر رضي الله عنه قال: ((هَشِشْتُ يوماً فقبَّلتُ وأنا صائم، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلْتُ: صنعْتُ اليوم أمراً عظيماً وأنا صائم فقال: ((أرأيت لو تمضْمضْت بماءٍ وأنت صائم؟)) . قلت: لا بأس بذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ففيم؟)) رواه النسائي في السنن الكبرى (2 / 198) وقال: هذا حديث منكر. ورواه أبو داود (2385) وفي آخره ((فمه؟)) ورواه أيضاً أحمد في مسنده 1 / 21، 52. وصححه الحاكم في مستدركه (1 / 431) ، وابن خزيمة في صحيحه (1999) ، وابن حبان في صحيحه (3544) بترتيب ابن بلبان، الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (1 / 195) ، وحسنه ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبَر (2 / 359) .
(3)
ساقط من ق.
(4)
في ق: ((المضمضة)) بدون الباء، وهو خطأ؛ لأنه قَلْبٌ للمشبه والمشبه به، كما لو جُعل الفرع أصلاً والأصلُ فرعاً.
(5)
في س، ق:((بالقُبْلة)) والصواب بدون الباء؛ لنفس العلة المذكورة في الهامش السابق.
(6)
في ن: ((في)) .
(7)
في س، ن:((ومنه)) ، والمثبت هو الصواب؛ لأن مرجع الضمير مؤنث وهو ((مواطن)) ..
(8)
هي امرأة مجهولة من قبيلة خَثْعم بن أنمار، ورد وصفها في بعض الروايات أنها امرأة وضيئة كان الفضل بن عباس رضي الله عنه ينظر إليها وهو رديف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. انظر الحديث في صحيح البخاري (6228) ، فتح الباري لابن حجر 4 / 84.
(9)
في ن: ((إنْ)) .
(10)
في س: ((أن يُقْضى)) .
(11)
هكذا يورده كثير من الأصوليين والفقهاء. قال ابن كثير: ((حديث الخَثْعمية رواه أهل الكتب الستة، ولم أره في شيءٍ منها بهذا السياق)) تحفة الطالب ص (420)، وانظر: المعتبر للزركشي ص (214) . وانظر: الحديث في الكتب الستة؛ في البخاري (1854) ، مسلم (1334) ، أبي داود (1792) ، الترمذي (928) ، النسائي (5406) ، ابن ماجه (2909) . وأقرب سياقٍ وقفْتُ عليه مقارِباً لسياق المصنف ما رواه النسائي (5404) ، وابن ماجه (2909) - واللفظ له - من حديث الفَضْل