الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم إحداث قولٍ ثالثٍ إذا أجمعت الأمة على قولين
ص: وعلى (1) منع القول الثالث (2) .
الشرح
قال الإمام فخر الدين في " المحصول "(3) : ((إحداث القول الثالث غير جائز عند الأكثرين. والحق أنه إن لزم منه الخروج عمَّا أجمعوا عليه امتنع وإلا جاز)) .
فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: الجواز مطلقاً (4) ، والمنع مطلقاً (5) ، والتفصيل (6) .
(1) العطف هنا معناه: أن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على خطأ)) الذي ذكره المصنف في آخر المتن السابق يدل على ثلاثة أشياء: الأول: على حجية الإجماع ومنع مخالفته، والثاني: على منع إحداث قول ثالث، والثالث: على عدم الفصل فيما جمعه الصحابة رضي الله عنهم (سيرد ذكره في المتن القادم) .
وإنما قدَّم المصنف الدليل على المدلول للاختصار. لأنه لو قدم المدلول لاحتاج إلى إعادة الدليل بعد كلِّ
مدلولٍ، فيكون تكراراً وتطويلاً. انظر: رفع النقاب للشوشاوي القسم 2 / 487.
(2)
صورة المسألة: إذا اختلف أهل عصرٍ في مسألة على قولين؛ فهل يجوز لمن بعدهم أن يُحْدِث قولاً ثالثاً فيها؟.
ذكرالمصنف فيها ثلاثة أقوال كما في الشرح. والغريب من المصنف أنه كرَّر بحث المسألة مرة أخرى في عبارة المتن بعد القادمة. انظر: ص (134) .
(3)
انظر المحصول 4 / 127. والنقل هنا بالمعنى.
(4)
وهو لبعض الحنفية والظاهرية. انظر: المُحلَّي لابن حزم 1 / 561، النُّبَذ في أصول الفقه له أيضاً ص42، بديع النظام لابن الساعاتي 1 / 308، التوضيح لصدر الشريعة ومعه التلويح للتفتازاني 2 / 98، فتح الغفار لابن نجيم 3 / 7.
(5)
وهو قول الجمهور انظر: المعتمد 1/44، إحكام الفصول ص 496، التبصرة للشيرازي ص 387، المنخول للغزالي ص 320، المحصول لابن العربي ص 517، لباب المحصول لابن رشيق المالكي ص 357، المسودة 326، كشف الأسرار للبخاري 3/435، التوضيح لحلولو ص 279.
(6)
التفصيل هو: ما إذا كان في القولين قَدْرٌ مشتركٌ بينهما لم يجز إحداث قولٍ ثالثٍ فيها وإلا جاز. أو بعبارةٍ أخرى: إنْ لزم من القول الحادث رفْعُ القولين السابقين لم يجز إحداثه وإلا جاز. والقول بالتفصيل هو اختيار الرازي في المحصول (4/128) ، والآمدي في الإحكام (1/269) ، وابن الحاجب في منتهى السول والأمل ص 61، وصفي الدين الهندي في نهاية الوصول (6 / 2527) ، والطوفي في شرح مختصر الروضة
3 / 88، 93 وغيرهم.
ومن العلماء من ذكر قولاً رابعاً في المسألة، ذهب إليه بعض الحنفية، وهو: إنْ حَدَث القولان من الصحابة لم يجز إحداث قولٍ ثالثٍ وإلا جاز: انظر: أصول السرخسي 1/310، كشف الأسرار للبخاري 3/435.
احتج المانعون: بأن الأمة أجمعت قبل الثالث على الأخذ [بهذا القول، أو بهذا القول (1) ](2) ، فالأخذ بالثالث خارقٌ للإجماع (3) .
ولأن الحق لا يفوت الأمة، فلا يكون الثالث حقاً، وإلا لَمَا فاتهم، فيكون باطلاً قطعاً وهو المطلوب (4) .
ويرد على الأول: أن الإجماع الأول (5) مشروط بألَاّ يجتمعوا (6) على أحدهما وقد أجمعوا ففات الشرط. فإن قلت: يلزمك ذلك في القول الواحد إذا أجمعوا عليه، فجاز أن يقال تمتنع (7) مخالفته بشرط ألَاّ يذهب أحد إلى خلافه. قلتُ: لو كان الأول مشروطاً لما كان هذا مشروطاً، [بسبب أن](8) القول الواحد تعيَّنتْ فيه المصلحة، فلا معنى للشرطية، بخلاف القولين لم تتعين المصلحة في أحدهما عَيْناً، ولم يقل بكل واحد منهما إلا بعض الأمة، وبعض الأمة غير معصوم (9) .
وعن الثاني: لا نسلم تعيّن الحق في قول الأمة إلا إذا اتفقت كلها على قول، أما مع الاختلاف فممنوع، فظهر بهذه الأجوبة حجة الجواز.
مثال التفصيل: اختلفت الأمة على قولين: هل الجدُّ يقاسم الإخوة أو يكون المال كله له؟ (10) .
فالقول الثالث: أن الإخوة يحوزون المال كله على خلاف الإجماع،
(1) ساقطة من ق.
(2)
ما بين المعقوفين في ن: ((بهذين القولين)) .
(3)
هذا الدليل الأول للمانعين.
(4)
هذا الدليل الثاني للمانعين.
(5)
ساقطة من ق. والمراد بالإجماع الأول أي: إجماعهم على وجوب الأخذ بأحد القولين.
(6)
أي: بألَاّ يجمع من بعدهما على أحد القولين.
(7)
في ق: ((يمتنع)) .
(8)
في ق: ((لأن)) .
(9)
انظر: نفائس الأصول 6 / 2653.
(10)
هذه العبارة في ق هكذا: ((هل يقاسم الجد الإخوة أو يحجبهم؟)) .
مسألة توريث الإخوة مع الجدِّ فيها مذهبان شهيران، الأول: الجد يحجب الإخوة والأخوات من جميع الجهات كما يسقطهم الأب، وهو قول جمع من الصحابة، منهم: أبوبكر وابن عباس رضي الله عنهم وجمع من التابعين وداود الظاهري وقول أبي حنيفة ورواية عن أحمد.
فالقول الثالث مُبْطِل لما أجمعوا عليه، فيكون باطلاً، لأن الحق لا يفوتهم، هذا قول الإمام فخر الدين وتمثيله (1) .
وقال ابن حَزْم (2) في " المُحلَّى "(3) : ((
إن بعضهم قال: المال كله للإخوة تغليباً للبُنوَّة على الأبوة)) (4) فلا يصح على هذا ما قاله الإمام من الإجماع (5) .
(1) الثاني: الإخوة يرثون مع الجد، وهو قول علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود رضي الله عنهم، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد، ثم اختلف هؤلاء في كيفية توريث الجد مع الإخوة على أقوال عدة. انظر: المبسوط للسرخسي 29/179، الحاوي الكبير للماوردي 8/119، المغني لابن قدامة 9/65، بداية المجتهد 5/413، حاشية الدسوقي 4/462.
() انظر: المحصول للرازي 4/128.
(2)
هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأمَوي ـ بالولاء ـ الظاهري ـ مذهباً ـ القرطبي مولداً. إمام عبقري في المعقول والمنقول والأدب والشعر. كان شافعياً، ثم انتقل إلى مذهب داود الظاهري. كان لآبائه رئاسة وإمارة. من مصنفاته في الأصول: الإحكام في أصول الأحكام (ط)، النبذ في أصول الفقه (ط) . وفي الفرق: الفِصَل في الملل والنحل (ط)، وفي الفقه: المحلَّي (ط) . وفي الأدب: طوق الحمامة في الألفة والإلاف (ط) . ت 456هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 18/184، ابن حزم خلال ألف عام لأبي عبد الرحمن الظاهري، ابن حزم: فقهه وآراؤه لمحمد أبو زهرة.
(3)
انظر: المحلي 9/283، 292.
وكتاب المحلَّى اسمه: " المُحلى بالآثار شرح المُجلَّى بالاختصار " وهو مشهور متداول في الفقه الظاهري، مشحون بالآثار، فيه قوة حجة وبرهان. قال العز بن عبد السلام:((ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل: المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق)) . يؤخذ عليه سلاطة لسان مؤلفه على الأئمة والعلماء، وإنكاره للتعليل والقياس. عليه مختصرات منها: الأنور الأعلى في اختصار المحلى لأبي حيان. وعليه رَدٌّ اسمه: السيف المُجلَّى.. وكتاب المحلى مطبوع بتحقيق: أحمد شاكر، وله طبعة أخرى. انظر: كشف الظنون 2 / 394
(4)
يمكن أن يكون هذا قولاً ثالثاً في مسألة الجد والإخوة، وهو: توريث الإخوة وحجب الجدّ، لأن الجدّ يدلي بولادته لأبي الميت، فطريقه من الأبوَّة. والإخوة يدلون بولادة أبي الميت فطريقهم من البنوة. والبنوة أقوى من الأبوة. وهذا القول قال به: زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن غَنْم رضي الله عنهم. فعلى هذا لا يكون ثَمَّةَ إجماع على ضرورة توريث الجدِّ بكل حال. لأن القول الثالث نُقِل عن بعض الصحابة، لكن قيل برجوع زيدٍ وعليٍ رضي الله عنهما إلى مقاسمة الجد للإخوة. والله أعلم. انظر: تيسير التحرير 3/251.
(5)
لئلا يُعْترض على القول بالتفصيل، بمثالٍ غير صحيح، يمكن أن يُمثَّل له بعِدَّة الحامل المتوفَّى عنها زوجها. قيل: تعتدُّ بالوضع، وهو لابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما. وقيل تعتدُّ بأبعد الأجلين؛ الوَضْع أو الأشْهرُ (أربعة أشهرٍ وعشر) وهو لعلي وابن عباسٍ وغيرهما، فالقول بعدهم بالاعتداد بالأشهر فقط رفع لما اتفقوا على نفيه، فيكون خرقاً للإجماع. انظر: تيسير التحرير 3 / 251، الحاوي الكبير 11 / 235، بدائع الصنائع 3/286، شرح الزرقاني على مختصر خليل 4/106، المغني 11 / 227. .