الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
في عدده
(1)
والواحد عندنا وعند جمهور الفقهاء يكفي خلافاً للجُبَّائي (2) في اشتراط (3) اثنين (4) أو يعضد الواحدَ ظاهرٌ (5) أو عملُ بعض الصحابة أو اجتهادٌ (6) أو يكون منتشراً فيهم، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. لنا أن الصحابة رضوان الله عليهم قبلوا خبر عائشة رضي الله عنها في التقاء الختانين (7) وحدها وهو مما تعم به البلوى.
الشرح
احتج الجُبَّائي بأن رسول الله (8) صلى الله عليه وسلم لما سلم من اثنين قال له ذو اليدين (9) : أقَصُرتْ الصلاة أم نسِيْتَ يا رسول الله؟ فقال: ((كلُّ ذلك لم يكن. فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فقال عليه السلام للصحابة "أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟ "
(1) المراد بالمسألة: هل يشترط أن يتعدد خبر الواحد حتى يحتجَّ به؟ وقد تقدَّم طَرَفٌ منها في الفصل الخامس، عند ذكر أقوال وجوب التعبد بخبر الواحد، ولو ألحقها المصنف في الفصل الثامن "فيما اختلف فيه من الشروط لكان أليق بالترتيب، وهو صنيع المحصول 4/417.
(2)
انظر مذهبه ومذهب الجمهور في: المعتمد 2/138، إحكام الفصول ص334، شرح اللمع للشيرازي 2/603، التبصرة ص312، البرهان 1/392، أصول السرخسي 1/321، 331، الواضح في أصول الفقه لابن عقيل 4 / 386، المحصول للرازي 4/417، شرح مختصر الروضة 2/133، النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر ص42، تدريب الراوي للسيوطي 1/69.
(3)
في س، متن هـ:((اشتراطه)) .
(4)
في ق: ((الاثنين)) .
(5)
أي: نص ظاهر من كتاب أو سنة.
(6)
أي قياس.
(7)
سبق تخريجه.
(8)
هذا الدليل الأول.
(9)
ذو اليدين هو: الخِرْباق بن عمرو السُّلمي، ثَبَتَ ذكره بوصف "ذي اليدين" وبأنه رجل من بني سُليم، وبأنه الخِرْباق في صحيح مسلم ((574) في حديث السَّهو. انظر: الإصابة لابن حجر 2/350، أسد الغابة لابن الأثير 2 / 179، شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 58 - 60.
فقالوا: نعم (1) فلم يقبل عليه السلام قول ذي (2) اليدين وحده، ولأن عمر رضي الله عنه لم يقبل خبر أبي موسى الأشعري وحده في الاستئذان (3) ، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً (4) ، ولأن النصوص مانعة من العمل بالظن كما تقدَّم بيانها (5) خالفناه في العدد إذا أجبروا فيبقى فيما عداه (6) على مقتضى الدليل (7) .
والجواب عن الأول: أنا نقول بخبر المنفرد ما لم تحصل (8) فيه رِيْبةٌ وتلك واقعة عظيمة في جمع عظيم فلو لم يخبر بها غير ذي اليدين لكان ذلك ريبة توجب الرد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوال الريبة، لا لأن العدد شرط.
وكذلك (9) لم يَردَّ عمر رضي الله عنه الخبر إلا لحصول الريبة بسبب أن الاستئذان أمر يتكرر فلو لم يعرفه إلا واحد لكان ذلك ريبة توجب (10) الرد.
(1) حديث ذي اليدين من رواية أبي هريرة وغيره أخرجه البخاري (482) ومسلم (573، 574) بنحوه.
(2)
في ق: ((ذو)) والمثبت هو الصواب، لأن الأسماء الخمسة ترفع بالواو، وتنصب بالألف وتجرُّ بالياء. و ((ذو)) من الأسماء الخمسة. انظر: شرح التصريح على التوضيح للأزهري 1 / 61.
(3)
قال أبوسعيد الخدري: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار، إذْ جاء موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعْتُ. فقال: ما منعك؟ قلتُ: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعْتُ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤن له فليرجع" فقال: والله لتُقِيمنَّ عليه بيّنة. أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. فقال أبيّ بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنتُ أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرتُ عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. أخرجه البخاري (6245) ومسلم (2153) .
(4)
هذا الدليل الثاني.
(5)
ساقطة من ق. ومن هذه النصوص قوله تعالى: "إن يتَّبعون إلا الظن
…
" [الأنفال: 116] ، وقوله "إن الظن لا يغني من الحق شيئاً" [يونس: 36] . انظر ص:
(6)
في س: ((عداها)) .
(7)
هذا هو الدليل الثالث.
(8)
في ق: ((يحصل)) وهو سائغ أيضاً.
(9)
هذا الجواب عن الثاني.
(10)
في س: ((يوجب)) وهو خطأ نحوي.
وعن الثالث: أن ظواهر تلك النصوص مخصوصة بعمل الصحابة رضوان الله عليهم لقبولهم خبر عائشة المتقدِّم وخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجِزْيَة من المجوس (1) لمَّا روى لهم قوله عليه السلام "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب"(2) .
(1) في س "اليهود" وهو خطأ بّين.
(2)
رواه الإمام مالك في الموطأ 2/278 برقم (42) عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمِعْتُ رسول الله يقول: "سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب". قال ابن عبد البر في التمهيد 2/114 "هذا حديث منقطع، لأن محمداً لم يلْقَ عمر ولا عبد الرحمن بن عوف ـ ثم قال ـ ولكن معناه متصل من وجوهٍ حسان". وقال ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/179 "حديث غريب وسنده منقطع أو معضل". وأورد ابن حجر في تلخيص الحبير (3/177) طريقاً آخر عن زيد بن وهب قال: كنت عند عمر بن الخطاب فذكر عنده المجوس، فوثب عبد الرحمن بن عوف، فقال: أشهد بالله على رسوله الله لسمعته يقول: "إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب فاحملوهم على ما تحملون عليه أهل الكتاب" وحسَّن إسناده ابن حجر. والحديث له شاهد عند البخاري برقم (3157) . وانظر: إرواء الغليل للألباني 5/88.
الفصل الثامن
فيما اخْتُلِف (1) فيه من الشروط (2)
قال الحنفية: إذا لم يَقْبَل راوي الأصلِ الحديث لا تُقْبل روايةُ الفرع، قال الإمام: إن جزم* كل واحد منهما لم يُقْبل وإلا عُمِل بالراجح (3)، وقال أكثر أصحابنا والشافعية والحنفية: إذا شكَّ الأصل في الحديث لا يضر ذلك، خلافاً للكرخي (4) .
(1) في س، ز:((اختلفوا)) خلافاً لسائر نسخ المتن والشرح.
(2)
هذا الفصل في بيان الشروط المختلف فيها؛ هل تعتبر هذه الرواية أو الراوي أم لا؟. قال الرازي في المحصول (4/417)"والضابط في هذا الباب: كل خصلة لا تقدح في غالب الظن بصحة الرواية ولم يعتبر الشرع تحقيقها تعبداً، فإنها لا تمنع من قبول الخبر".
(3)
هذا النقل عن الإمام من المحصول (4/421) بمعناه، ولفظُه:"والضابط: أنه حيث يكون قول الأصل مُعادِلاً بقول الفرع تعارضا، وحيث ترجح أحدهما على الآخر فالمعتبر هو الراجح".
(4)
يمكن تقسيم مسألة اختلاف الأصل (الشيخ) والفرع (التلميذ) إلى حالتين، الأولى: حالة الجزم، بأن يجزم الأصل بتكذيب الفرع، كأن يقول: ما حدثتك به، ونحو ذلك. وحكمها: حكى الآمدي في الإحكام (2/106) ، وابن الحاجب في منتهى السول ص (84) وغيرهما الاتفاق على ردّ رواية الفرع. فتخصيص المصنف الحنفية بالذكر في رد رواية الفرع فيه قصور من جهة أن المصنف لم يفصح عن نوع عدم قبول راوي الأصل الحديث، هل كان على سبيل الجزم والجحود والتكذيب أم على سبيل الشك والتوقف والنسيان؟ فالأول حُكي فيه الاتفاق على رد رواية الفرع، وليس خاصاً بالحنفية، علماً بأن السيوطي في تدريب الراوي (1/ 395) نقل في المسألة أربعة أقوال؟ الأول: الرد وهو مختار الأكثرين، الثاني: القبول، اختاره السمعاني، وعزاه الشاشي للشافعي، الثالث: تكذيب الأصل لا يقدح في صحة الحديث، إلا أنه لا يجوز للفرع أن يرويه عن الأصل، جزم به الماوردي والروياني، الرابع: أنهما يتعارضان فيُصار إلى ترجيح أحدهما، اختاره الجويني. الحالة الثانية: حالة الشك، بأن يقول الأصل، لا أذكره، لا أعرفه، دون أن يجزم بعدم تحديثه، فجماهير الأصوليين والمحدثين على قبول الحديث، وبعض الحنفية ومنهم الكرخي، وبعض المحدثين يردُّون الحديث..انظر المسألة ومذهب الجمهور ومذهب الكرخي في: العدة لأبي يعلى 3/959، إحكام الفصول ص346، التلخيص للجويني 2/392، أصول السرخسي 2/3، قواطع الأدلة 2/355، كشف الأسرار للنسفي 2/75، البحر المحيط للزركشي 6/221، التوضيح لحلولو ص316، رفع النقاب القسم 2/691، شرح الكوكب المنير 2/537، فواتح الرحموت 2/218، الأقوال الأصولية للإمام الكرخي لفضيلة شيخنا د. حسين الجبوري ص78، الكفاية في علم الرواية للبغدادي ص418، شرح شرح نخبة الفكر للقاري ص651.