الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُدْرك بإحدى (1) الحواسِّ الخمس.
قال الإمام في " البرهان "(2) : "ويلحق بذلك ما كان ضرورياً بقرائن الأحوال كصُفْرة الوَجَل وحمُرْة الخَجَل، فإنه ضروري عند المشاهدة. "
وقولي: "يستحيل تواطؤهم على الكذب (3) " احترازُ (4) من (5) أخبار الآحاد.
وقولي: "عادةً" احترازُ (6) من (7) العقل، فإن العلم التواتري عادي لا عقلي، لأن العقل يُجوِّز الكذب على كل عددٍ وإنْ عَظُم، وإنما هذه الاستحالة عادية.
إفادة المتواترِ العلمَ والقَطعَ
وأكثر العقلاء على أنه مفيد للعلم (8) في الماضيات والحاضرات. والسُّمَنِيَّة (9) أنكروا العلم واعترفوا بالظن (10) ، ومنهم من اعترف به في الحاضرات فقط.
(1) في س ((أحد)) ، وفي ن ((آحاد)) والمثبت هو الصواب؛ لأن المعدود مؤنَّث، والعدد ((إحدى)) يأتي موافقاً له. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4/243.
(2)
انظر: البرهان لإمام الحرمين 1/369.
(3)
هنا زيادة: ((عادة)) في س، والأولى عدمها، لأن المصنف سيذكرها في الاحتراز الآتي.
(4)
في ن: ((احترازاً)) وقد سبق الكلام في مثلها.
(5)
في س، ق:((عن)) .
(6)
في ن: ((احترازاً)) .
(7)
في س: ((عن)) .
(8)
انظر هذه في: الرسالة للشافعي ص 478، المقدمة في الأصول لابن القصار ص65، المعتمد 2/82، الإحكام لابن حزم 1 / 102، أصول السرخسي 1/283، قواطع الأدلة 2/240، الضروري من أصول الفقه لابن رشد ص 69، شرح مختصر الروضة للطوفي 2/74، 87 نشر البنود 2/23.
(9)
السُّمَنيّة: بضم السين وفتح الميم، فرقة من أهل الهند، دهريون، تقول بالتناسخ وقدم العالم، زعموا ألا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس. قيل: إنها تنسب إلى بلدٍ اسمه "سُوْمْنَا" وقيل: نسبة إلى صنم يعبدونه اسمه سُومْنات. انظر: الفهرست لابن النديم 480، المنية والأمل في شرح الملل والنحل للمهدي المرتضى ص 62، الفَرْق بين الفِرَق للبغدادي ص162، 214، 270، موسوعة الفرق الإسلامية د/محمد جواد مشكور ص 287، 316.
(10)
انظر مذهب السُّمَنِية في: العدة لأبي يعلى 3/841، إحكام الفصول ص319، المستصفى 1/251، الوصول لابن بَرْهان 2/139، المحصول للرازي 4/227، التقرير والتحبير 2/307. ومن العلماء من نسب هذا المذهب أيضاً للبَرْهَمِيَّة، انظر: شرح اللمع للشيرازي 2/569، التمهيد لأبي الخطاب 3/15، الإحكام للآمدي 2/15، كشف الأسرار للبخاري 2/660 ونَسَبه اللاّمشي إلى النظَّام. انظر: كتاب في أصول الفقه له ص146.
الشرح
لنا: أنَّا نقطع بدولة الأكاسرة، والقياصرة (1) ، والخلفاءِ الراشدين، و (2) مَنْ بَعْدهم من بني أُميَّة وبني العباس من الماضيات، وإنْ كنا لا نقطع بتفصيل ذلك، ونقطع بوجود دِمَشْق وبغداد وخُرَاسان (3) ، وغير ذلك من الأمور الحاضرة، فقد حصل العلم بالتواتر من حيث الجملة*.
احتجوا: بأن كثيراً ما نجزم (4) بالشيء ثم ينكشف الأمر بخلافه، فلو كان التواتر يفيد العلم لما جاز انكشاف الأمر* بخلافه (5) .
ولأن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الكذب فيجوز على المجموع (6) ، لأن (7) كل واحد من الزَّنْج (8) لمَّا كان أسود (9) كان مجموعهم سوداً (10) .
والجواب عن الأول: أن تلك الصور إنما حصل فيها الاعتقاد (11) ،
ولو حصل العلم
(1) في ن، س:((الأقاصرة)) ، والمثبت من ق، وهو الوارد في: المعجم الوسيط ص (770) مادة "قيصر" أن جمع قَيْصر قياصرة: وهو لقب يلقب به ملك الروم.
(2)
الواو ساقطة من ن.
(3)
هو أقليم قديم، قامت فيها الدعوة العباسية، من مدنها: نَيْسَابور، وهَرَات، وبَلْخ، ومَرْو. تتقاسمها اليوم إيران، وأفغانستان، وتركمانستان. انظر: المنجد في الأعلام ص230.
(4)
في ن: ((يُجزم)) .
(5)
هذا الدليل الأول للمنكرين إفادةَ المتواترِ العلمَ.
(6)
هذا الدليل الثاني.
(7)
في ن: ((ولأن)) بزيادة واو. وهو خطأ، لأن السياق ما يزال في بيان الدليل الثاني لهم.
(8)
الزِّنْج والزَّنْج: بالكسر والفتح لغتان، جيل من السُّودان، وهم الزنوج، واحدهم: زَنْجي وزِنْجي. انظر: لسان العرب مادة "زنج".
(9)
في ق: ((أسوداً)) وهو خطأ لأن ((أسود)) ممنوع من الصرف لعلتين: الوصفية، وأنه على وزن ((أفعل)) انظر: شرح المفصَّل لابن يعيش 1/58. ومع ذلك هنا رد من يجوّز صرف كلّ ما قيل فيه بأنه لا ينصرف. انظر: شيوخ الأشموني على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان 3 / 403.
(10)
في س، ن:((أسود)) وهو صحيح أيضاً مراعاةً للَّفظ المفرد ((مجموع)) . والمثبت مراعاةً لاكتساب المفرد معنى الجمع بإضافته إلى ضمير الجمع، والله أعلم. انظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني 2/372.
(11)
الاعتقاد في اصطلاح المصنف يتناول جميع الإدراكات سواءً كانت قطعية أم ظنيةً غيرذلك. قال في نفائس الأصول (1/191) : "فظهر أن الاعتقاد المتعلق بالرجحان الكائن في الحقائق التي هي المعتقدات ينقسم إلى خمسة: العلم والظن والتقليد والجهل المركب والشك
…
" والاعتقاد ـ في المشهور ـ هو الحكم الجازم المقابل للتشكيك انظر: الكليات للكفوي ص (151) .
فلعل المصنف يقصد به الإدراك الجازم في ظن المُعْتقِد ولو لم يكن مطابقاً للواقع أو الظن الغالب، بدليل أنه قال بعد ذلك: "ولو حصل العلم
…
الخ" أي: اليقين المطابق للواقع، فإن الدرجة التي تنزل عن العلم هي الظن. والله أعلم.
لم يجز أن ينكشف الأمر بخلافه، ونحن لم نَدَّعِ حصول العلم في جميع الصور، بل ادَّعينا أنه قد يحصل، [وذلك لا ينافي](1) عدم حصوله في كثير من الصور (2) .
وعن الثاني أن الأحكام قسمان، قسم: لا يجوز ثبوته للآحاد بل لمجموعها فقط، كإرواء مجموع القطرات من الماء، وإشباع مجموع لُقَم الخبز، وغَلَبة مجموع الجيش للعدو وغير ذلك، فهذه أحكام ثابتة للمجموعات دون الآحاد (3) . ومنها (4) : ما يثبت للآحاد فقط، كالألوان (5) والطُّعوم والروائح، فإنها (6) يستحيل (7) ثبوتها إلا للآحاد. أما المجموعات فأمور ذهنية، والأمور الذهنية لا يمكن أن تقوم بها كيفيات الألوان وغيرها، فحصول (8) العلم عند (9) مجموع إخبارات (10) المخبرين كحصول الرَّيِّ والشِّبع ونحوهما، فلا يلزم ثبوته للآحاد، فاندفع الإشكال.
وأما وجه الفرق بين الحاضرات والماضيات (11) : فلأن الماضيات غائبة (12) عن الحسِّ فيتطرَّق إليها احتمال الخطأ والنسيان، ولذلك (13) الدول المُتَقادِمة (14) لم يبقَ عندنا شيء من أحوالها. وأما الحاضرات فمعضودة بالحسِّ، فيبعد تطرُّق الخطأ إليها.
(1) ما بين المعقوفين في س هكذا: ((ذلك، فلا يتنافى)) .
(2)
في هذا الجواب نظر، إذ يفتح باب التشكيك في بعض صور المتواتر في إفادته العلم، والدعوى إنما كانت في إفادة كل صور التواتر للعلم لا أكثره، فمتى حكمنا بتخلِّف صورة واحدة انهدمت الدعوى. والله أعلم.
(3)
في ق: ((الأفراد)) .
(4)
في س، ق:((ومنه)) . وهذا هو القسم الثاني من أقسام الأحكام.
(5)
في س: ((كالأوزان)) وهو غير متَّجه.
(6)
في ن: ((فإنه)) وهي ساقطة من ق.
(7)
في ق: ((فيستحيل)) .
(8)
في ن: ((فحصل)) .
(9)
في س: ((غير)) وهو تحريف.
(10)
في ق: ((إخبار)) .
(11)
هذه حجة من اعترف بأن المتواتر يفيد العلم في الحاضرات دون الماضيات.
(12)
في س: ((غابت)) .
(13)
في ق: ((وكذلك)) .
(14)
المُتَقَادمة: أي القديمة الماضية، من: تَقَادَم الشيءُ؛ بمعنى: قَدُم وطال عليه الأمد. انظر: المعجم الوسيط مادة "قدم".