الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتوقف على من له أهلية استقراء الشريعة حتى يحسن أن يُقال لا معارض لهذا الحديث، وأما استقراء غير المجتهد المطلق فلا عبرة به، فهذا القائل من الشافعية ينبغي أن يُحصِّل لنفسه أهلية هذا الاستقراء قبل أن يُصرِّح بهذه الفُتْيا، لكنه ليس كذلك، فهم مُخْطئون في هذا القول (1) .
الاستدلال
ص: الاستدلال (2) : وهو محاولة الدليل المفضي إلى الحكم الشرعي من جهة القواعد (3) لا من جهة الأدلة المنصوبة (4)، وفيه قاعدتان:
القاعدة الأولى: في الملازمات
(5) ، وضابط الملزوم ما يحسن فيه " لو "، واللازم
(1) ناقش الزركشي المصنف في هذا القول، ووصمه بأنه تحجير منه. انظر: البحر المحيط 8 / 344.
(2)
الاستدلال لغةً: طلب الدليل. انظر: مادة " دلل " في لسان العرب.
(3)
معناه: أن الاستدلال هو إقامة الدليل الموصل إلى الحكم الشرعي من جهة القوانين العقلية، لا من جهة الأدلة التي نصبت لذلك من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الشرعي. انظر: رفع النقاب القسم
2 / 1229. وللاستدلال اطلاقات أخر متباينة فيما بينها. وله أنواع كثيرة يتفاوت العلماء في عدّها وحصرها، لأنه مصطلح فَضْفَاض. انظر بحث الاستدلال تحديداً وتقسيماً واحتجاجاً في: إحكام الفصول ص 672، شرح اللمع 2 / 815، الإحكام للآمدي 4 / 118، نهاية الوصول للهندي 8 / 4039، شرح العضد لمختصر ابن الحاجب 2 / 280، تقريب الوصول ص 387، تشنيف المسامع
3 / 408، التقرير والتحبير 3 / 381، التوضيح لحلولو ص 405، شرح الكوكب المنير 4 / 397، الآيات البينات للعبادي 4 / 239، نشر البنود 2 / 249، إرشاد الفحول 2 / 45، الاستدلال عند الأصوليين د. علي العميريني ص 18 - 51.
(4)
في س: ((المنصوصة)) .
(5)
يسمى هذا بالاستدلال بالتلازم، ويسميه المناطقة بالقضية الشرطية، وبالقياس الاستثنائي، وهو مركّب من مقدمتين، الأولى: منهما مركّبة من قضيّتين، تُقْرَن الأولى بحرف شرطٍ كـ" لو " أو " إنْ " ونحوهما، وتسمّى بالملزوم أو المقدَّم، والقضية الأخرى هي جواب الشرط، قد تُقْرن بالفاء ونحوها، وتُسمَّى باللازم أو التالي. والمقدمة الثانية: استثناء من قضية واحدة يُقرن بها حرف استثناء مثل: " لكن " أو لا يُقْرن ويكون الكلام في معناه. مثاله: لو كان هذا إنساناً فهو حيوان، لكنه إنسان فهو حيوان أو لكنه ليس إنساناً فليس بحيوان. انظر: تقريب الوصول ص 124، شرح الكوكب المنير 4 / 398، نثر الورود 2 / 563، حاشية الصبان على شرح السُّلم للملّوي ص 141، حاشية العطار على شرح الخبيصي ص 247، شرح المطلع على متن إيساغوجي للأنصاري ص 62، آداب البحث والمناظرة للشنقيطي القسم الأول ص 90.
ما يحسن فيه " اللَاّم " كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1)، وكقولنا: لو (2) كان هذا الطعام مُهْلكاً فهو حرام، تقديره: لو كان مهلكاً لكان حراماً.
والاستدلال إما بوجود الملزوم أو بعدمه، أو بوجود اللازم أو بعدمه، فهذه الأربعة منها [اثنان منتجان واثنان عقيمان، فالمنتجان](3) :
الاستدلال بوجود الملزوم على وجود اللازم وبعدم اللازم على عدم (4) الملزوم (5) ، فكل ما أنتج [عدمُه فوجوده عقيم، وكل ما أنتج](6) وجودُه فعدمه عقيم، إلا أن يكون اللازم مساوياً للملزوم فتنتج الأربعة، نحو قولنا: لو كان هذا إنساناً (7) لكان ضاحكاً بالقوة (8)، ثم الملازمة قد تكون: قطعية، كالعَشَرة مع الزوجية، وظنية، كالنجاسة مع كأس الحَجَّام (9) ،
وقد تكون: كليَّة، كالتكليف مع العقل، فكل مكلف عاقل في سائر
(1) الأنبياء، من الآية:22.
(2)
في ن، س، متن هـ:((إنْ)) وهو صحيح أيضًا.
(3)
ما بين المعقوفين في س هكذا: ((اثنتان منتجتان، واثنتان عقيمتان، فالمنتجتان)) والمثبت هو الصواب،
لأن المعدود مذكّر، يدلُّ عليه العدد " الأربعة " والعدد " اثنان " يتبع معدوده تذكيراً وتأنيثاً. انظر: أوضح المسالك لابن هشام 4 / 231.
(4)
ساقطة من ن.
(5)
والعقيمان: هما الاستدلال بعدم الملزوم، والاستدلال بوجود اللازم. فمثلاً؛ في قولنا: لو كان هذا الطعام مهلكاً لكان حراماً، هنا الاستدلالان المنتجان هما: بأن يستدلّ بوجود الهلاك على وجود التحريم، ويستدل بعدم التحريم على عدم الهلاك. والاستدلالان العقيمان هما: بأن يستدل بعدم الهلاك على عدم التحريم أو وجوده، فإنه عقيم لا ينتج؛ لأن الطعام غير المهلك قد يكون حلالاً كالطعام غير المسموم لا النجس، وقد يكون حراماً كالمغصوب أو النجس. وكذلك الاستدلال بوجود التحريم على وجود الهلاك أو عدمه استدلال عقيم؛ لأن الطعام المحرم قد يكون مهلكاً كالسموم، وقد يكون غير مهلك كالمغصوب أو النجس. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1231.
(6)
ما بين المعقوفين ساقط من ن.
(7)
في س: ((إنسان)) وهو خطأ نحوي، لعدم انتصابه على أنه خبر ((كان)) .
(8)
في هذا المثال - لو كان هذا إنساناً لكان ضاحكاً بالقوة - تنتج الأربعة، وهي: لكنه إنسان فهو ضاحك، لكنه ضاحك فهو إنسان، لكنه ليس بإنسان فليس بضاحك، لكنه ليس بضاحك فليس بإنسان، وكل هذا بسبب تساوي اللازم والملزوم. انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.
(9)
أي: ملازمة النجاسة لكأس الحجّام، فلا توجد كأس الحجّام إلا ومعها نجاسة ظنية، فنقول: لو كان هذا كأس حجّام لكان نجساً، وإنما كانت هذه الملازمة ظنية؛ لأن كأسه قد لا تكون نجسة لأنه لم يَحْجِم بها أحداً بَعْد، أو حجم بها ثم غسلها..انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1233.
الأزمان والأحوال، فكليتها [باعتبار ذلك](1) لا باعتبار الأشخاص، وجزئية، كالوضوء مع الغُسْل، فالوضوء لازم للغسل إذا سَلِم من النواقص حالة إيقاعه فقط، فلا جَرَم* لم يلزم من انتفاء اللازم الذي هو الوضوء انتفاء الملزوم الذي هو الغسل؛ لأنه ليس كلياً، بخلاف انتفاء العقل فإنه (2) يوجب انتفاء التكليف في سائر الصور.
الشرح
استدل مرَّة (3) بعض الفضلاء على [أن المغتسِل](4) لا يكفيه غُسْله للصلاة حتى يتوضأ - وهو قول بعض العلماء (5) - بإن قال: القاعدة العقلية أنه يلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم، فلو كان الوضوء لازماً للغسل [لكان يلزم من انتفائه انتفاء
الغسل] (6) ، [فيلزم من انتفاء الطهارة الصغرى انتفاء الطهارة الكبرى](7) فإذا أحْدث الحَدَث الأصغر يلزمه (8) الغسل، وهو خلاف الإجماع، فلا تكون الطهارة الصغرى لازمة للطهارة الكبرى وهو المطلوب.
والجواب: ما تقدَّم أن الملازمة جزئية في بعض (9) الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فليست لازمة، فلا يلزم من انتفاء ما ليس بلازمٍ انتفاء شيء
ألبتة.
(1) في متن هـ: ((بذلك)) .
(2)
ساقطة من جميع النسخ ما عدا النسختين م، ز، وإثباتها أليق بالسياق.
(3)
ساقطة من س.
(4)
في ق: ((الغسل)) .
(5)
هذا القول أحد الأوجه عند الشافعية، وهو الرواية المقدَّمة عند الحنابلة عليها المذهب. انظر: المجموع
2 / 223 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 223، المغني 1 / 289، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1 / 259. وانظر المسألة في: المبسوط 1 / 44، الحاوي 1 / 221، الذخيرة 1 / 307، 310، مواهب الجليل 1 / 459.
(6)
ما بين المعقوفين في ق هكذا: ((لانتفى الغسل بانتفائه)) .
(7)
ما بين المعقوفين ساقط من ق.
(8)
في ن: ((يلزم)) .
(9)
ساقطة من ق.
وكذلك نقول (1) : إن كل مؤثر فهو لازم لأثره حالة إيقاعه، وقد ينتفي الصانع وتبقى الصَّنْعة بعده؛ لأن الملازمة بينهما جزئية في بعض الأحوال، وهي حالة الحدوث فقط، وما عدا تلك الحالة لا ملازمة بينهما فيها، فلا يلزم النفي من النفي، فكذلك لا يلزم من انتفاء (2) الطهارة [الصغرى انتفاء الطهارة](3) الكبرى بعد زمن الابتداء لعدم الملازمة في بقية الأحوال غير الابتداء بشرط السلامة عن النواقض.
ص: القاعدة الثانية: أن (4) الأصل في المنافع الإذن (5) وفي المضارِّ المنع بأدلة السمع لا بالعقل، خلافاً* للمعتزلة (6) ، وقد تعظم المنفعة (7) فيصحبها الندب (8) ، أو الوجوب مع الإذن، وقد تعظم المضرَّة فيصحبها التحريم على قدر رُتْبتها (9) فيستدل على الأحكام بهذه القاعدة.
الشرح
يعلم ما يصحبه الوجوب أو الندب أو التحريم أو الكراهة بنظائره من الشريعة وما عهدناه في تلك المادة.
(1) في ق: ((تقول)) .
(2)
في س، ق:((نفي)) .
(3)
ساقط من س.
(4)
ساقطة من ق، متن هـ.
(5)
من العلماء من نبّه على استثناء: الدم، والمال، والفرج، والعِرْض من قاعدة:((الأصل في المنافع الإباحة)) . انظر: البحر المحيط للزركشي 8 / 12، التوضيح لحلولو ص 408.
(6)
سبق بحث مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرائع. أما هذه المسألة فهي مسألة: الأصل في الأشياء بعد ورود السمع. وقد خلط بعضهم بين المسألتين وأجرى نفس الخلاف. انظر: المحصول للرازي 6 / 97، نهاية الوصول للهندي 8 / 3938، الإبهاج 3 / 165، نهاية السول للإسنوي 4 / 352، البحر المحيط للزركشي 8 / 8، الضياء اللامع 3 / 141، الآيات البينات للعبادي 4 / 264. وانظر: تحكيم المعتزلة للعقل في مسألة المنافع والمضار في: المعتمد 2 / 315، منهاج الوصول للمهدي بن المرتضى ص 813.
(7)
في ن: ((المصلحة)) .
(8)
في ق: ((الثواب)) وهو غير مناسب؛ لأن المراد هنا تقرير الأحكام لا الجزاء.
(9)
أو الكراهة. وإذا استوت المنفعة والمضرة صار مباحاً.